الفنادق السياحية التي يبارز الله تعالى فيها بالمعاصي وتقترف فيها المنكرات، وغير ذلك من المؤسسات التي يختلط فيها الحرام بالحلال ـ والحرام فيها غالب ـ فجمهور الفقهاء على حرمة العمل في مثل هذه الأماكن حتى وإن كان العامل لا يباشر الحرام بنفسه.

يقول فضيلة الدكتور حسين شحاتة –أستاذ الاقتصاد الإسلامي بجامعة الأزهر-رحمه الله تعالى:

لقد بحث الفقهاء والعلماء هذه القضية وخلصوا إلى الآراء الآتية:

1– وجوب تجنب العمل في تلك الأماكن حيث أن في ذلك إعانة مباشرة لأهل المنكر، والواجب النهي عن ذلك، والدليل هو قول الله تبارك وتعالى: (وَلْتَكُن مِّنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [آل عمران: 104].

كما ورد عن رسول الله –صلى الله عليه وسلم– أنه قال: “من رأي منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك. أضعف الإيمان” [رواه مسلم].

– يجب على من يعمل في هذه الأماكن سرعة البحث عن عمل آخر حتى لو كان أقل راتبا ومنصبا، وأن يكون مخلصا في سعيه، وأن يستشعر قول الله سبحانه وتعالى: (…..وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللهُ مِن فَضْلِهِ إِن شَاءَ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) [التوبة: 28].

وقوله عز وجل: (…وَمَن يَّتَّقِ اللهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا* وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ وَمَن يَّتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا) [الطلاق: 2، 3].

وقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- للرجل صاحب الناقة: “اعقلها وتوكل” [رواه الترمذي].

– يجب على العاطل الذي يبحث عن عمل أن يتجنب مجالات الشبهات مهما كانت مغرية، وربما قد يجد هذا الشخص ميلا في ذاته للعمل فيها بسبب ضغوط الحاجة أو لهوى النفس، أو لاختلاف آراء الفقهاء مما يجعله يميل للرخص، وعليه أن يستفتي قلبه.

فعن وابصة بن معبد رضي الله عنه قال: “أتيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: “جئت تسأل عن البر؟ قلت: نعم، قال: “استفت قلبك، البر ما اطمأنت إليه النفس واطمأن إليه القلب، والإثم ما حاك في النفس وتردد في الصدر وإن أفتاك الناس وأفتوك”. [رواه أحمد].

وقوله -صلى الله عليه وسلم- : “دع ما يريبك إلى ما لا يريبك”. [حديث حسن صحيح].

– أجاز فريق من الفقهاء العمل في هذه المجالات أو استمرار العمل فيها عند الضرورة المعتبرة شرعا والتي تقدر بقدرها دون تعدي أو تنزه أو ترف، وكل أعلم بضرورته، ودليل ذلك من القرآن الكريم قوله تعالى: (فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) [البقرة: 173]، ويجب استشعار مراقبة الله عز وجل، ولا تحايل على شرعه، وفي هذه الحالة يجب على العامل التحري والاجتهاد مع نفسه وتجنب الإدارات والأقسام والأعمال المباشرة إلى المنكر المنهي عنه شرعًا.

– يرى فريق من الفقهاء أنه عند الضرورة المشار إليها بعاليه وجوب تطهير الأرزاق بأن يجتهد العامل وتقدر نسبة المال المكتسب من حرام في حالة اختلاط المعاملات الحلال بالحرام ويتم التخلص منه في وجوه الخير وليس بنية التصدق، ولا تنفق في مجال العبادات.

– وفي كافة الأحوال السابقة يجب الحذر وتجنب المشتبهات، ولقد كان صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يتركون تسعا وتسعين بابا من الحلال خشية أن يقعوا في باب واحد من الحرام، وهذا من الورع والخشية من الله سبحانه وتعالى، فعن أبي عبد الله النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: “إن الحلال بين وإن الحرام بين، وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس فمن اتقي الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه، ألا إن لكل ملك حمي، ألا وإن حمى الله محارمه، ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب. [رواه البخاري ومسلم].
وندعو الله سبحانه وتعالى أن يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه ويرينا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه، كما نسأله أن يبارك لنا في ما رزقنا ويغفر لنا ذنوبنا، ويتقبل منا صالح دعائنا.