القصاص لا يجب على الصغير الذي لم يبلغ الحلم ، لأنه ليس مكلفا ، أما حبسه فهو نوع من التعزير يرجع لولي الأمر، غير أنه لا يجوز إقامة الحد أو القصاص منه بعد البلوغ لشيء ارتكبه حال صغره لعدم التكليف.

يقول الأستاذ الدكتور مسعود صبري:

إقامة الحدود والقصاص حق لله تعالى وواجب على الأمة  كما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم :” لحد يقام في الأرض خير من أن يمطروا أربعين” . وقد جعل الله تعالى في القصاص إحياء للناس ، وإن كان يبدو من ظاهره خلافه ، فقال تعالى :” ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون” ، ففي القصاص منع لجرائم القتل والاعتداء على النفوس البريئة ، ولهذا كان من أكبر المقاصد الشرعية الحفاظ على النفس ، وليس القصاص وليد آخر الرسالات السماوية التي جاء بها النبي صلى الله عليه وسلم ، بل هو شريعة في الأديان ، كما قال تعالى :( وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص ) .

وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم :” كتاب الله القصاص ” .

والقصاص أشمل من القتل ، لأن القصاص قد يكون في النفس أو ما دونها ، من شج الرأس أو فقأ العين ، أو خلع سن أو ضرس، أو بتر عضو، أو جرح في جسد ونحوه ، وكل ذلك يجب فيه القصاص .

غير أن للقصاص شروطا يجب توافرها ، فإن خلا منه ، فلا قصاص ، ومن أهم تلك الشروط :

-أن يكون القاتل مكلفا ، والتكليف هنا يكون بالبلوغ والعقل.

-وأن يكون القتيل معصوم الدم ، فإن مهدر الدم لا قصاص في حقه.

-وأن يتعمد القاتل قتل من قتله ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم :” العمد قود ” . كما أن الفقهاء متفقون على أن القاتل خطأ لا يقتل بمن قتله ، بل له أحكام خاصة.

ولا قصاص في قتل عمد بسبب صد عدوان ، كالدفاع عن النفس والمال وغيرهما.

وهناك شروط أخرى اختلف فيها الفقهاء من عدم الإكراه ، ومن مباشرة القتل ، وألا يكون المقتول جزءا من القاتل ، وأن يكون القتل في دار الإسلام وغيرها من المختلف فيها .

أما الأطفال فإنه لا يجوز القصاص منهم ، لما يلي :

1- أن الأطفال غير مكلفين، فالتكليف مازال مرفوعا عنهم ، فلا يجوز محاسبتهم ولا القصاص منهم، ولا إقامة الحد عليهم ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم :” رفع القلم عن ثلاثة ; عن الصبي حتى يبلغ ، وعن النائم حتى يستيقظ ، وعن المجنون حتى يفيق ” .

2- إجماع الأمة على عدم القصاص من الأطفال الذين لم يبلغوا الحلم ، قال الإمام ابن قدامة الحنبلي :” لا خلاف بين أهل العلم ، أنه لا قصاص على صبي ولا مجنون ، وكذلك كل زائل العقل بسبب يعذر فيه ، مثل النائم ، والمغمى عليه ، ونحوهما”.

3- أن القصاص عقوبة مغلظة ، فلم تجب على الصبي ومن زال عقله بسبب مشروع ، قياسا على الحدود .

4- قياس الأطفال على القتل الخطأ، لنفي القصد الصحيح ، فكما أن العقوبة خففت في القتل الخطأ ، فإنها تنفى عنهم لنفي القصد الذي يستحق الحساب والعقاب.

أما عن حبس الصبي القاتل حتى يبلغ فيقام عليه الحد ، فلا نجد له دليلا شرعيا، ولا يجوز إلا بدليل صحيح ، ولما كان الطفل الذي لم يبلغ الحلم غير مكلف ، فلا يجوز حبسه إلا من باب التأديب ، ولا يجوز القصاص منه بعد البلوغ ، وذلك أنه لا يجوز تعدي الأحكام من مرحلة ما قبل التكليف إلا ما بعدها ، وأن يكلف الطفل بأثر رجعي ، ولهذا قال الإمام ابن قدامة رحمه الله :” فإن اختلف الجاني وولي الجناية ، فقال الجاني : كنت صبيا حال الجناية . وقال ولي الجناية : كنت بالغا . فالقول قول الجاني مع يمينه ، إذا احتمل الصدق ; لأن الأصل الصغر ، وبراءة ذمته من القصاص .