طاعة الوالدين في الزواج :

إذا كانت معارضة الوالدين للزواج نابعة من سبب ديني: كأن تكون الفتاة ليس على دين، أو كانت بعيدة عن تطبيق الشرع، فطاعة الوالدين حينئذ واجبة .
أما إن كانت المعارضة نابعة من أسباب شخصية، وأهواء بعيدة عن الشرع، فإن طاعتهم في هذا ليست واجبة، وعلى الابن أن يسدد ويقارب، و أن يستعين بالله في إرضاء والده ، وأن يلتمس طاعته بقدر ما أوتي من قوة ، وأن يجتهد في هذا الأمر، والله يقدر له الخير ويبارك له فيه .

يقول الشيخ عطية صقر من علماء الأزهر- رحمه الله تعالى -:
مخالفة الوالدين في اختيار الزوج أو الزوجة حرام إذا كان لهما رأي ديني في الزوج أو الزوجة يحذران منه، أما إذا كان رأي الوالدين ليس دينيًا، بل لمصلحة شخصية أو غرض آخر –والزواج فيه تكافؤ وصلاح – فلا حرمة في مخالفة الوالدين.
ومطلوب أن يكون هناك تفاهم بالحسنى بين الطرفين، رجاء تحقق الاستقرار في الأسرة الجديدة، وحتى يتحقق الغرض الاجتماعي من الزواج الذي ليس هو علاقة خاصة فقط بين الزوج والزوجة، وإنما هو علاقة أيضًا بين أسرتين، وفيه دعم للروابط الاجتماعية.

حكم طاعة الأبن لوالديه في طلاق زوجته :

ويقاس هذا على إرغام الوالدين لولدهما على طلاق زوجته التي يحبها ويستريح لها، فقد روى الترمذي وصححه أن: عمر رضي الله عنه أمر ابنه أن يطلق زوجته فأبى، فشكاه للرسول صلى الله عليه وسلم فأمر بطلاقها، لكن سئل أحمد بن حنبل بعد ذلك في مثل هذه الحالة فقال للسائل: لا تطلق زوجتك، فذكر له حادث عمر، فقال أحمد: إذا كان أبوك مثل عمر فطلقها. والمعنى أن عمر كانت له نظرة دينية في زوجة ابنه، لكن غير عمر ليست له هذه النظرة، فهي غالبًا نظرة شخصية ولتحقيق غرض معين يكون من ورائة هدم أسرة يستريح لها الابن خلقًا ودينًا.
صح أن إبراهيم عليه السلام أمر ولده إسماعيل أن يطلق زوجته الأولى، مُكنيًا عن ذلك بتغيير عتبة الباب، كما رواه البخاري، وذلك لأنه وجدها تتأفف من عشرته، فقد تكون فتنة لزوجها، وقال الإمام الغزالي في “الإحياء ج2 ص51” بعد ذكر حديث ابن عمر: فهذا يدل على أن حق الوالد مقدم، ولكن والد يكرهها لا لغرض، مثل عمر.

وعلى هذا يحمل ما ورد من أمر أبى بكر الصديق ولده عبد الله أن يطلق زوجته عاتكة، وما أخرجه أحمد عن معاذ بن جبل، أوصاني رسول الله صلى الله عليه وسلم بعشر كلمات، وذكر منها “ولا تعص والديك وإن أمراك أن تخرج من أهلك ومالك. وما جاء في صحيح ابن حبان أن رجلاً سأل أبا الدرداء فقال له، إن أبي لم يزل بي حتى زوجني، وإنه الآن يأمرني بطلاقها، قال: ما أنا بالذي آمرك أن تعق والديك، ولا بالذي أمرك أن تطلق امرأتك، غير أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “الوالد أوسط أبواب الجنة، فحافظ على ذلك إن شئت أو دع” قال فأحسب أن عطاء –وهو الراوي –قال فطلقها.

هذا، وقد رأى جماعة أن الطاعة في تطليق الزوجة تكون للأب لا للأم، قال ابن تيمية فيمن تأمره أمه بطلاق امرأته: لا يحل له أن يطلقها، بل عليه أن يبرها، وليس تطليق امرأته من برها “غذاء الألباب ج1 ص332” وجاء في هذا الكتاب أن ابن تيمية علّل عدم طاعة الوالدين في زواج امرأة معينة: بأنه لم يكن لأحد أن يلزمه بأكل ما ينفر طبعه عنه، مع قدرته على أكل ما تشتهيه نفسه، كان النكاح بذلك أولى، فإن أكل المكروه ساعة، وعشرة المكروه من الزوجين على طول يؤذي صاحبه ولا يمكن فراقه “ص334” راجع الجزء الخامس من موسوعة “الأسرة تحت رعاية الإسلام. أهـ