اختلف الفقهاء في قراءة الحائض والنفساء القرآن الكريم، فذهب فريق من أهل العلم إلى أن الحائض والنفساء كالجنب لا يجوز لها أن تقرأ القرآن حتى تطهر، والرأي الآخر ذهب إلى أنه يجوز لها أن تقرأ القرآن دون أن تمس المصحف وإن احتاجت إلى ذلك فيكون عن طريق حائل كالقفازين ونحوهما، وقالوا لا يجوز قياس الحائض والنفساء على الجنب لأن مدتهما تطول، بخلاف الجنب، والحديث الذي استدل به المانعون حديث ضعيف، والرأي الثاني هو الذي رجحه العلامة سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز –رحمه الله-

أما دخول الحائض للمسجد فهو ممنوع عند أكثر الفقهاء ، واحتج بعض أهل العلم على منع الحائض من دخول المسجد، وذهب جماعة من أهل العلم إلى جواز دخول الحائض للمسجد لطلب العلم إن أمنت تلويثه وذلك لحاجة النساء الماسة إلى العلم والتفقه في الدين وهذا هو الأولى.

يقول فضيلة الدكتور حسام الدين بن موسى عفانة – أستاذ الفقه وأصوله – جامعة القدس – فلسطين :ـ

إن دخول الحائض للمسجد ممنوع عند أكثر الفقهاء وعمدتهم في المنع ما روي في الحديث عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( لا أحل المسجد لحائض ولا لجنب ) رواه أبو داود وابن ماجة . وفي سنده كلام كثير لأهل الحديث.

وبعض أهل العلم احتج على منع الحائض من دخول المسجد بقوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ ) سورة النساء الآية 43 . ومع أن هذه الآية لم تذكر الحائض إلا أنهم ألحقوها بالجنب .

وقد ذهب جماعة من أهل العلم إلى جواز دخول الحائض للمسجد وبهذا قال الإمام أحمد في رواية عنه وهو قول المزني صاحب الإمام الشافعي وبه قال الإمام داود وابن حزم الظاهريان . وقال الإمام أحمد في رواية أخرى إن للحائض دخول المسجد إن توضأت وأمنت تلويث المسجد . انظر الإنصاف 1/347 .

والقول بجواز دخول المرأة الحائض للمسجد لحضور دروس العلم هو الذي نطمئن إليه . ويدل لهذا القول ما يلي :
1 ـ البراءة الأصلية لأن الأصل عدم التحريم ولم يقم دليل صحيح صريح على تحريم دخول الحائض للمسجد . قال الإمام النووي :[ وأحسن ما يوجه به هذا المذهب أن الأصل عدم التحريم وليس لمن حرم دليل صحيح صريح ] المجموع 2/160 .

2 ـ وقال الشيخ الألباني :[ والقول عندنا في هذه المسألة من الناحية الفقهية كالقول في مس القرآن من الجنب للبراءة الأصلية وعدم وجود ما ينهض على التحريم وبه قال الإمام أحمد وغيره … ] تمام المنة ص 119 . 2.

3 ـ إن الحديث الذي استدل به جمهور العلماء وهو :( لا أحل المسجد لجنب ولا لحائض ) اختلف فيه أهل الحديث اختلافاً كبيراً لأنه من رواية أفلت بن خليفة عن جسرة بنت دجاجة وقد ضعفهما جماعة من أهل الحديث كالخطابي والبيهقي وعبد الحق الاشبيلي وابن حزم ونقل التضعيف عن الإمام أحمد أيضاً .

وقال الإمام البغوي :[ وجَوَّزَ أحمد والمزني المكث فيه وضعّف أحمد الحديث لأن راويه وهو أفلت بن خليفة مجهول وتأوّل الآية على أن – عابري السبيل – هم المسافرون تصيبهم الجنابة فيتيممون ويصلون وقد روي ذلك عن ابن عباس ] شرح السنة 2/46 . ومن المعاصرين الشيخ الألباني حيث قال :[ قال البيهقي : ليس بالقوي ] . وقال عبد الحق الإشبيلي :[ لا يثبت ] تمام المنة 119 .

وقد ضعف الإمام النووي هذا الحديث في كتابه خلاصة الأحكام حيث قال :[ باب ذكر المحدث والجنب والحائض وقراءتهم ومسهم المصحف ودخولهم المسجد ] ثم ساق بعض الأحاديث الصحيحة في الباب ثم قال : فصل في ضعيفه وذكر عدة أحاديث ضعفها ومنها حديث :( لا أحل المسجد لحائض ولا جنب ) انظر خلاصة الأحكام 1/206-210 .

وقال الحافظ ابن حجر عن أفلت بن خليفة بأنه مجهول الحال … التخليص الحبير 1/140 . وقال الخطابي :[ وضعفوا هذا الحديث وقالوا أفلت راويه مجهول ولا يصح الاحتجاج بحديثه … ] معالم السنن 1/67 . وضعف الحديث برواية ابن ماجة أيضاً صاحب الزوائد حيث قال :[ إسناده ضعيف مخدوج لم يوثق وأبو الخطاب مجهول ] سنن ابن ماجة 1/212 .

وضعف ابن حزم الحديث برواياته كلها فقال :[ وهذا كله باطل أما أفلت فغير مشهور ولا معروف بالثقة وأما مخدوج فساقط يروي المعضلات عن جسرة وأبو الخطاب الهجري مجهول وأما عطاء الخفاف فهو عطاء بن مسلم منكر الحديث وإسماعيل مجهول ومحمد بن الحسن مذكور بالكذب وكثير بن زيد مثله فسقط كل ما في هذا الخبر جملة ] المحلى 1/401 . ولا يخفى أن كثيراً من العلماء قد حسنوا هذا الحديث . انظر نصب الراية 1/194. 3.

4 ـ ومما يقوي القول بجواز دخول الحائض للمسجد عموم قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( المسلم لا ينجس ) رواه البخاري ومسلم .

5 ـ ومما يدل على الجواز أيضاً أن العلماء أجازوا للكافر دخول المسجد رجلاً كان أو امرأة فالمسلم أولى وإن كان جنباً والمسلمة كذلك وإن كانت حائضاً .

6 ـ ومما يدل على الجواز أيضاً ما رواه البخاري ومسلم في قصة المرأة السوداء التي كان لها خباء في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد قال الإمام البخاري في صحيحه : [ باب نوم المرأة في المسجد ] ثم ساق حديث عائشة رضي الله عنها :( أن وليدة كانت سوداء لحي من العرب فأعتقوها فكانت معهم … قالت عائشة فكان لها خباء في المسجد أو حفش قالت : فكانت تأتيني فتحدث عني … الخ ) . قال الحافظ ابن حجر :[ و الخباء الخيمة من وبر وغيره والحفش البيت الصغير ] فتح الباري 2/80 . وقال ابن حزم مبيناُ وجه الاستدلال بهذا الحديث :[ فهذه امرأة ساكنة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم والمعهود من النساء الحيض فما منعها عليه الصلاة السلام من ذلك ولا نهى عنه وكل ما لم ينه عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فمباح وقد ذكرنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله :(جعلت لي الأرض مسجداً ) ولا خلاف في أن الحائض والجنب مباح لهما جميع الأرض وهي مسجد فلا يجوز أن يخص بالمنع من بعض المساجد دون بعض ولو كان دخول المسجد لا يجوز للحائض لأخبر بذلك عليه الصلاة والسلام عائشة إذا حاضت فلم ينهها إلا عن الطواف بالبيت فقط ومن الباطل المتيقن أن يكون لا يحل لها دخول المسجد فلا ينهاها عليه الصلاة والسلام عن ذلك ويقتصر على منعها من الطواف وهذا قول المزني وداود وغيرهما وبالله تعالى التوفيق ] المحلى 1/401-402 .

وخلاصة الأمر أنه يجوز للمرأة الحائض دخول المسجد لطلب العلم إن أمنت تلويثه وذلك لحاجة النساء الماسة إلى العلم والتفقه في الدين وإن كنا نفضل أن تكون دروس العلم للنساء في مرافق ملحقة بالمسجد.