من كان في سالف عمره يصلي ويترك، ويصوم ويفطر، فإن الراجح في شأنه من أقوال أهل العلم أن عليه التوبة الصادقة النصوح، واستئناف العمل، والمحافظة على صلاته وصيامه، وليس عليه قضاء ما مضى؛ لقوله تعالى : (فَإِن تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ) [التوبة : 11].

وقوله تعالى : (فَمَن جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىٰ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ) [البقرة : 275].

وأحاديث التوبة في الصحاح وغيرها كثيرة، وليس في شيء منها الأمر باستدراك ما مضى، إلا أن يكون شيئاً من حقوق العباد، فيجب رده إليهم، سواء كان مالاً أو غيره، ويستحلهم عن الوقوع في أعراضهم، أو عما لا يستطيع أداءه.

ولو طُلب من التائب أن يقضي ما فاته، لترتب على ذلك مفاسد عظيمة :

منها التردد في التوبة، أو الإعراض عنها؛ لأنه في بداية أمره، فإذا حّملناه ذلك الحمل الثقيل ناء به، وقعد عن المسير، فكان هذا من رحمة الله وتخفيفه على عباده.
ومن المفاسد المترتبة على المطالبة بالقضاء : الوقوع في الوساوس والأوهام، وقد وجدت أن كثيراً من الناس يفتيه من يفتيه بالقضاء، فيشك : كم صلاة ترك؟وكم يوماً أفطر؟ وهل كان حجه صحيحاً؟ وهل؟ وهل؟ فيدخل في باب الوسوسة، ويضطرب عليه أمره، وربما أفضى به إلى الوسوسة في العقائد، حتى إن منهم من يتمنى أنه على ما كان عليه قبل ذلك، ويرى أنه كان أسلم له، حتى من الناحية الدينية.

ومن المفاسد : فقدان لذة العبادة، وانشغال المرء بأعمال شغلت ذمته فيما يحسب، ويريد الخلاص منها.ولو أنه اكتفى بالاستدراك فيما يستقبل من أمره، وأكثر من الطاعات والنوافل والأذكار والأعمال الصالحة لكان خيراً، وأحسن تأويلاً.