دفع الرشاوى لتخليص الحقوق المعطلة لا شيء فيها بالنسبة لدافعها وإن كانت نارا في بطن من يأكلها ، فالقاعدة أن دفع الرشوة إذا لم تكن لأخذ حقوق الغير فلا بأس بدفعها ، وتبقى الحرمة على آخذها ، بشرط عدم الاستيلاء على حقوق الغير ، أو منعهم من حقوقهم طالما لم يكن هناك سبيل غير الرشوة لتحصيل هذه الحقوق ، أو دفع المظالم .

يقول الشيخ فيصل مولوي نائب رئيس المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث :-

الرشوة هي أن يدفع الإنسان مالاً من أجل أن يستفيد حقاً ليس له، أو أن يعفي نفسه من واجب عليه.. وحكمها في هذه الحالة ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم: الراشي والمرتشي في النار

أما إذا كان هناك ظرف خاص يجعل الإنسان غير قادر على استيفاء حق له إلا بأداء الرشوة للظالمين أو الحكام؛ فإن ما يدفعه في هذه الحال من أجل الوصول إلى حقه لا يعتبر رشوة كما يرى أكثر العلماء

ويقول الأستاذ الدكتور محمود عكام :-

يمكن تقسيم الأمر إلى ما يلي:

– من أعطى مالاً عينًا أو منفعة ليحصل على ما ليس له بحق فهذا حرام على المعطي والآخذ.

– ومن أعطى مالاً عيناً أو منفعة على سبيل الاضطرار وتحت سوط القهر والجبر من أجل نيل حقه الثابت شرعًا؛ فهذا حلال للمعطي حرام على الآخذ.

– ومن أعطى مالاً عينا أو منفعة لموظف ليستميل قلبه فيخفف الثاني ما توجب على المعطي “كموظف الضرائب مثلاً” فهذا حرام على كليهما.

– من منح مالاً أو عيناً إنساناً ما قدم خدمة وانتهى منها على سبيل الهدية التي لا تحمل معنى الاستمالة في المستقبل فهذا حلال لكليهما.

وفي الحقيقة: فليسأل كل قلبه كما قال –صلى الله عليه وسلم-: (استفت قلبك وإن أفتوك وأفتوك) أخرجه احمد.

ويقول الدكتور يوسف القرضاوي :-

من أكل أموال الناس بالباطل أخذ الرشوة، وهي ما يدفع من مال إلى ذي سلطان أو وظيفة عامة، ليحكم له أو على خصمه بما يريد هو، أو ينجز له أو يؤخر لغريمه عملاً، وهلم جرًا.

وقد حرم الإسلام على المسلم أن يسلك طريق الرشوة للحكام وأعوانهم كما حرم على هؤلاء أن يقبلوها إذا بذلت لهم، وحظر على غيرهم أن يتوسطوا بين الآخذين والدافعين.

قال تعالى: (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون). (البقرة: 188).

وقال – صلى الله عليه وسلم -: ” لعنة الله على الراشي والمرتشي في الحكم “. (رواه أحمد والترمذي وابن حبان في صحيحه).

وعن ثوبان قال: لعن رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ” الراشي والمرتشي والرائش “. (رواه أحمد والحاكم – والرائش: هو الوسيط بين الراشي والمرتشي).

وإذا كان آخذ الرشوة قد أخذها ليظلم فما أشد جرمه، وإن كان سيتحرى العدل فذلك واجب عليه لا يؤخذ في مقابله مال.

وبعث رسول الله – صلى الله عليه وسلم – عبد الله بن رواحة إلى اليهود ليقدر ما يجب عليهم في نخيلهم من خراج، فعرضوا عليه شيئًا من المال يبذلونه له، فقال لهم: ” فأما ما عرضتم من الرشوة فإنها سحت، وإنا لا نأكلها “. (رواه مالك).

ولا غرابة في تحريم الإسلام للرشوة وتشديده على كل من اشترك فيها، فإن شيوعها في مجتمع شيوع للفساد والظلم من حكم بغير الحق أو امتناع عن الحكم بالحق، وتقديم من يستحق التأخير، وتأخير من يستحق التقديم، وشيوع روح النفعية في المجتمع لا روح الواجب.

الرشوة لرفع الظلم

ومن كان له حق مضيع لم يجد طريقه للوصول إليه إلا بالرشوة، أو وقع عليه ظلم لم يستطيع دفعه عنه إلا بالرشوة . فالأفضل له أن يصبر حتى ييسر الله له السبل لرفع الظلم، ونيل الحق.

فإن سلك سبيل الرشوة من أجل ذلك فالإثم على الآخذ المرتشي وليس عليه إثم الراشي في هذه الحالة ما دام قد جرب كل الوسائل الأخرى فلم تأت بجدوى، وما دام يرفع عن نفسه ظلمًا أو يأخذ حقا له دون عدوان على حقوق الآخرين.

وقد استدل بعض العلماء على ذلك بأحاديث الملحفين الذين كانوا يسألون النبي – صلى الله عليه وسلم – من الصدقة فيعطيهم وهم لا يستحقون، فعن عمر أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: ” إن أحدكم ليخرج بصدقته من عندي متأبطها – يحملها تحت إبطه – وإنما هي له نار ” ! قال عمر: يا رسول الله . . كيف تعطيه وقد علمت أنها نار له ؟.

قال: ” فما أصنع ؟ يأبون إلا مسألتي ويأبى الله عز وجل لي البخل “. (رواه أبو يعلي بإسناد جيد، وروى أحمد نحوه – ورجاله رجال الصحيح).

فإذا كان ضغط الإلحاح جعل الرسول – صلى الله عليه وسلم – يعطي السائل ما يعلم أنه نار على آخذه، فكيف يكون ضغط الحاجة على دفع ظلم أو أخذ حق مهدر ؟