ضابط التشبه بالكفار المنهي عنه أن يكون الشيء شعاراً لأهل الكفر، بحيث لو رأى الناس من يلبسه -مثلاً إذا كان ملبوساً- نسبوه إلى الكفار من أجل لباسه وشعاره، مثل : طاقية اليهود، ولباس الرهبان والصليب فهذا هو التشبه المنهي عنه شرعا، وهو الذي ورد التحذير عن الوقوع فيه أما ما كان منتشرا في بلاد المسلمين، ولم يكن من شعار أهل الكفر كالعادات التي تشترك بين الناس فلا بأس من استخدامه حتى ولو استخدمه الكفار، وأحيانا يكون التشبه بالكفار مطلبا شرعيا، وذلك في الأمور التي تقدموا فيها تقنيا، وتخلف فيها المسلمون، فمحاكاة الكفار في هذه الأمور فرض كفاية من أجل ضمان التقدم للأمة.

يقول فضيلة الشيخ ابن عثيمين -من علماء السعودية- رحمه الله :

مقياس التشبه أن يفعل المتشبه ما يختص به المتشبه به، فالتشبه بالكفار أن يفعل المسلم شيئاً من خصائصهم، أما ما انتشر بين المسلمين وصار لا يتميز به الكفار فإنه لا يكون تشبهاً، فلا يكون حراماً من اجل أنه تشبه، إلا أن يكون محرماً من جهة أخرى.

وهذا الذي قلناه هو مقتضى مدلول هذه الكلمة.

وقد صرح به صاحب الفتح : (وقد كره بعض السلف لبس البرنس لأنه كان من لباس الرهبان، وقد سئل مالك عنه فقال : لا بأس به. قيل : فإنه من لبوس النصارى ، قال : كان يُلبس ها هنا). أ.ه

وفي الفتح أيضاً صـ 307 جـ 1 : (وإن قلنا النهي عنها أي : عن المياثر الأرجوان، من أجل التشبه بالأعاجم فهو لمصلحة دينية، لكن كان ذلك شعارهم حينئذٍ وهم كفار، ثم لم يصر الآن يختص بشعارهم زال ذلك المعنى، فتزول الكراهة). أهـ

والمياثر الأرجوان قال ابن حجر عنها : قيل: هو صبغ أحمر شديد الحمرة، وهو نور شجر من أحسن الألوان، وقيل : الصوف الأحمر، وقيل : كل شيء أحمر فهو أرجوان. ويقال : ثوب أرجوان وقطيفة أرجوان، وحكى السيرافي أحمر أرجوان فكأنه وصف للمبالغة في الحمرة كما يقال أبيض يقق وأصفر فاقع…

قال أبو عبيد : المياثر الحمر التي جاء النهي عنها كانت من مراكب العجم من ديباج وحرير.أهـ

ويقول فضيلة الشيخ محمد صالح المنجد :

عن ابْنِ عُمَرَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : “مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ”. (رواه أبو داود [اللباس/3512]. وقال الألباني في صحيح أبي داود : حسن صحيح).

قَالَ الْمُنَاوِيُّ وَالْعَلْقَمِيّ : أَيْ تَزَيَّى فِي ظَاهِره بِزِيِّهِمْ، وَسَارَ بِسِيرَتِهِمْ وَهَدْيهمْ فِي مَلْبَسهمْ وَبَعْض أَفْعَالهمْ اِنْتَهَى.

وَقَالَ الْقَارِي : أَيْ مَنْ شَبَّهَ نَفْسه بِالْكُفَّارِ مَثَلا مِنْ اللِّبَاس وَغَيْره , أَوْ بِالْفُسَّاقِ أَوْ الْفُجَّار أَوْ بِأَهْلِ التَّصَوُّف وَالصُّلَحَاء الأَبْرَار (فَهُوَ مِنْهُمْ) : أَيْ فِي الإِثْم وَالْخَيْر.

قَالَ شَيْخ الإِسْلام اِبْن تَيْمِيَّةَ فِي الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم :

َقَدْ اِحْتَجَّ الإِمَام أَحْمَد وَغَيْره بِهَذَا الْحَدِيث، وَهَذَا الْحَدِيث أَقَلّ أَحْوَاله أَنْ يَقْتَضِيَ تَحْرِيم التَّشَبُّه بِهِمْ كَمَا فِي قَوْله : (مَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ) وَهُوَ نَظِير قَوْل عَبْد اللَّه بْن عَمْرو أَنَّهُ قَالَ : مَنْ بَنَى بِأَرْضِ الْمُشْرِكِينَ وَصَنَعَ نَيْرُوزَهُمْ وَمِهْرَجَانَهمْ وَتَشَبَّهَ بِهِمْ حَتَّى يَمُوت حُشِرَ مَعَهُمْ يَوْم الْقِيَامَة فَقَدْ يُحْمَل هَذَا عَلَى التَّشَبُّه الْمُطْلَق فَإِنَّهُ يُوجِب الْكُفْر، وَيَقْتَضِي تَحْرِيم أَبْعَاض ذَلِكَ, وَقَدْ يُحْمَل عَلَى أَنَّهُ مِنْهُمْ فِي الْقَدْر الْمُشْتَرَك الَّذِي يُشَابِههُمْ فِيهِ، فَإِنْ كَانَ كُفْرًا أَوْ مَعْصِيَة أَوْ شِعَارًا لَهَا كَانَ حُكْمه كَذَلِكَ.

وَقَدْ رُوِيَ عَنْ اِبْن عُمَر عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ التَّشَبُّه بِالأَعَاجِمِ , وَقَالَ : ” مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ ” وَذَكَرَهُ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى. وَبِهَذَا اِحْتَجَّ غَيْر وَاحِد مِنْ الْعُلَمَاء عَلَى كَرَاهَة أَشْيَاء مِنْ زِيّ غَيْر الْمُسْلِمِينَ. أهـ. (انظر عون المعبود شرح سنن أبي داود).

والتشبه بالكفار على قسمين : تشبه محرَّم، وتشبه مباح.

القسم الأول : التشبه المحرّم : وهو فعل ما هو من خصائص دين الكفار مع علمه بذلك، ولم يرد في شرعنا.. فهذا محرّم، وقد يكون من الكبائر، بل إن بعضه يصير كفراً بحسب الأدلة. سواء فعله الشخص موافقة للكفار، أو لشهوة، أو شبهة تخيل إليه أنّ فعله نافع في الدنيا والآخرة.

فإن قيل هل من عمل هذا العمل وهو جاهل يأثم بذلك، كمن يحتفل بعيد الميلاد؟ فالجواب : الجاهل لا يأثم لجهله، لكنه يعلّم، فإن أصر فإنه يأثم.

القسم الثاني : التشبه الجائز : وهو فعل عمل ليس مأخوذاً عن الكفار في الأصل، لكن الكفار يفعلونه أيضاً. فهذا ليس فيه محذور المشابهة لكن قد تفوت فيه منفعة المخالفة.

التشبه بأهل الكتاب وغيرهم في الأمور الدنيوية لا يباح إلا بشروط :

1- أن لا يكون هذا من تقاليدهم وشعارهم التي يميّزون بها.

2- أن لا يكون ذلك الأمر من شرعهم ويثبت ذلك أنه من شرعهم بنقل موثوق به، مثل أن يخبرنا الله تعالى في كتابه أو على لسان رسوله أو بنقل متواتر مثل سجدة التحية الجائزة في الأمم السابقة.

3- أن لا يكون في شرعنا بيان خاص لذلك، فأما إذا كان فيه بيان خاص بالموافقة أو المخالفة استغنى عن ذلك بما جاء في شرعنا.

4- أن لا تؤدي هذه الموافقة إلى مخالفة أمر من أمور الشريعة.

5- أن لا تكون الموافقة في أعيادهم .

6- أن تكون الموافقة بحسب الحاجة المطلوبة ولا تزيد عنها.