منع كثير من الفقهاء دخول المسجد للحائض، وكذلك قراءة القرآن، ومس المصحف، لكن الأدلة التي استندوا إليها ليست نصية في ذلك، لذلك رجح بعض المحققين جواز ذلك كله للمرأة الحائض، تمسكا بالبراءة الأصلية، وتيسيرا للنساء، وعليه فيجوز للحائض قراءة القرآن وكتب التفسير، والذكر، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ودخول المسجد، ومس المصحف بلا حائل خاصة إذا احتاجت لذلك، ولا فرق بين قراءة الورد وغيره.

وعلى هذا، فلا حاجة للغلاف الخارجي ولا الداخلي.

يقول الشيخ محمد صالح المنجد :

جمهور الفقهاء على حرمة قراءة الحائض للقرآن حال الحيض حتى تطهر، ولا يستثنى من ذلك إلا ما كان على سبيل الذّكر والدّعاء ولم يقصد به التلاوة كقول: بسم الله الرحمن الرحيم، إنا لله وإنا إليه راجعون، ربنا آتنا في الدنيا حسنة … الخ مما ورد في القرآن وهو من عموم الذكر، وذهب بعض أهل العلم إلى جواز قراءة الحائض للقرآن وهو مذهب مالك، ورواية عن أحمد اختارها شيخ الإسلام ابن تيمية ورجحه الشوكاني.

دخول الحائض المسجد:

يقول الدكتور يوسف القرضاوي: اختلف الفقهاء كثيرا في لبث الجنب والحائض في المسجد بلا وضوء، لقوله تعالى: (لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون، ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا) النساء: 43.

ومعنى (عابري سبيل): أي مجتازي طريق.

وأجاز الحنابلة اللُّبث للجنب في المسجد إذا توضأ، لما روى سعيد بن منصور والأثرم عن عطاء بن يسار قال: رأيت رجالا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، يجلسون في المسجد، وهم مجْنبون، إذا توضأوا وضوء الصلاة.

وهناك من الفقهاء من أجازوا للجنب ـ وكذلك للحائض والنفساء ـ الُّلبث في المسجد، بوضوء أو بغير وضوء، لأنه لم يثبت في ذلك حديث صحيح، وحديث “إني لا أحل المسجد لحائض ولا جنب” ضعفوه، ولا يوجد ما ينهض دليلا على التحريم، فيبقى الأمر على البراءة الأصلية. وإلى هذا ذهب الإمام أحمد والمزني وأبو داود وابن المنذر وابن حزم، واستدلوا بحديث أبي هريرة في الصحيحين وغيرهما: “المسلم لا ينجس”. وكذلك قياس الجنب على المشرك، فقد أجيز للمشرك وغير المسلم دخول المسجد، فالمسلم الجنب أولى.

وأنا أميل إلى هذا اتباعا للأدلة، وجريا على منهجنا في التيسير والتخفيف، وخصوصا على الحائض، فإنها أولى بالتخفيف من الجنب، لأن الجنابة يجلبها الإنسان باختياره، ويمكنه دفعها وإزالتها باختياره، أي بالغسل، بخلاف الحيض، فقد كتبه الله على بنات آدم، فلا تملك المرأة أن تمنعه، ولا أن تدفعه قبل أوانه، فهي أولى بالعذر من الجنب. وبعض النساء يحتجن إلى المسجد لحضور درس أو محاضرة أو نحو ذلك، فلا تمنع منه.

ترجيح مس الجنب للمصحف:

وذهب بعض الفقهاء إلى تحريم مس المصحف على الجنب، مستدلين بالآية الكريمة: (لا يمسه إلا المطهرون) الواقعة: 79، وبالحديث الشريف: “لا يمس القرآن إلا طاهر”. لكن الراجح أن المراد بالطاهر: المؤمن، وأن المؤمن لا ينجس، ولا ينبغي أن يحرم من مس المصحف وحمله.

قال الشيخ الألباني: والبراءة الأصلية مع الذين قالوا بجواز مس القرآن من المسلم الجنب، وليس في الباب نقل صحيح يجيز الخروج عنها. فتأمل.

قراءة القرآن للجنب:

ذهب بعض الفقهاء إلى تحريم قراءة القرآن على الجنب، لحديث عليٍّ رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يحجبه ـ أو لا يحجزه ـ عن قراءة القرآن شيء، ليس الجنابة. رواه أصحاب السنن وصححه الترمذي، ولكن قال الحافظ في (الفتح) ضعّف بعضُهم بعضَ رواته.

والحق أنه لم يصح حديث يمنع الجنب من قراءة القرآن، حتى الحديث المذكور ليس فيه دليل على التحريم، فقد تحجزه الجنابة عن القراءة لأنها مكروهة، أو خلاف الأولى، وليس بالضرورة لأنها محرمة.

وقد سئل سعيد بن جبير عن الجنب يقرأ؟ فلم ير به بأسا، وقال: أليس في جوفه القرآن؟!

وذكر البغوي في (شرح السنة): عكرمة من المجيزين قراءة الجنب.

وهو مذهب داود وأصحابه وابن حزم، وهو المتفق مع ما صح أنه صلى الله عليه وسلم كان يذكر الله على كل أحيانه. وتلاوة القرآن من أعلى مراتب الذكر.

على أن القراءة على هذه الحال لا تخلو من الكراهة التنزيهية، لحديث: “إني كرهت أن أذكر الله إلا على طهر”. وقد جاء في الصحيح: أن رجلا سلم على النبي صلى الله عليه وسلم فلم يرد عليه السلام، حتى أتى إلى جدار في المدينة، فتيمم، ثم رد عليه السلام، وذلك لما في السلام من ذكر الله تعالى. حيث يقول: “ورحمة الله وبركاته”.