تعلم العلوم غير الشرعية مثل الطب والهندسة والكيمياء والتاريخ والسحر وغير ذلك من العلوم يتوقف حكمه على معرفة ما يعود من ورائها على الناس بالنفع أو الضر، فكل علم لا يستغنى عنه في قوام أمور الدنيا كالطب والكيمياء والحساب فإن تعلمها فرض كفاية والتعمق في هذه العلوم فضيلة وليس فريضة، أما علم السحر والشعوذة فإن تعلمه حرام شرعا، أما تعلم الشعر والتاريخ فإنه يدخل في دائرة المباح ما لم تتعطل مصلحة من مصالح الناس وإلا فيكون تعلمها فرض كفاية..

يقول العلامة الشيخ محمد رشيد رضا – صاحب المنار -:
لمَّا حدث في المسلمين علم الكلام والجدل في الدين مقته وذمه غير واحد من الأئمة المجتهدين، ولمَّا ظهرت الفلسفة اليونانية فيهم ومزجوها بمباحث العقائد كان بعض العلماء يقول بوجوب تعلمها للمدافعة عن العقائد ، وبعضهم يحرِّم ذلك ويقول : لا حاجة إليها في إثبات العقائد ، حتى كان في الفقهاء من حرَّم المنطق ، ولا يمكن حصر هؤلاء بأسمائهم ولا حاجة إليه ، وحسبك ما قاله الإمام حجة الإسلام في العلوم التي ليست بشرعية – أي : لم تؤخذ عن الأنبياء عليهم السلام – قال رحمه الله تعالى:

(العلوم التي ليست بشرعية تنقسم إلى ما هو محمود، وإلى ما هو مذموم، وإلى ما هو مباح).

فالمحمود ما ترتبط به مصالح أمور الدنيا كالطب والحساب، وذلك ينقسم إلى ما هو فرض كفاية، وإلى ما هو فضيلةوليس فريضة.

أما فرض الكفاية فهو كل علم لا يستغنى عنه في قوام أمور الدنيا كالطب ؛ إذ هو ضروري في حاجة بقاء الأبدان، وكالحساب فإنه ضروري في المعاملات وقسمة الوصايا والمواريث وغيرهما، وهذه هي العلوم التي لو خلا البلد عمن يقوم بها حرج أهل البلد، وإذا قام بها واحد كفى وسقط الفرض عن الآخرين- هذا إذا وفى ذلك الواحد بحاجة البلد ، وأما إذا لم يوف بها فلا تسقط االفريضة بالواحد، بل بما تقوم به المصلحة -.

ولا يتعجب من قولنا: إن الطب والحساب من فروض الكفايات؛ فإن أصول الصناعات أيضًا من فروض الكفايات كالفلاحة والحياكة والسياسة ، بل الحجامة والخياطة ؛ فإنه لو خلا البلد من الحجام تسارع الهلاك إليهم وحرجوا بتعريضهم أنفسهم للهلاك ؛ فإن الذي أنزل الداء أنزل الدواء وأرشد إلى استعماله وأعد الأسباب لتعاطيه ، فلا يجوز التعرض للهلاك بإهماله –والقول بأن تعلم الحجامة فريضة كان هذا قديما حيث كان لا يُستغنى عنها، أما بعد تقدم الطب فليست من فروض الكفايات-.

وأما ما يعد فضيلة لا فريضة فالتعمق في دقائق الحساب وحقائق الطب وغير ذلك مما يستغنى ؛ ولكنه يفيد زيادة قوة في القدر المحتاج إليه.

وأما المذموم منه فعلم السحر والطلسمات ، وعلم الشعبذة والتلبيسات
– ومعنى كونه مذمومًا أنه محرم لما فيه من خداع الناس وإيذائهم بالخداع والتمويه وبعض الأعمال الخفية أسبابها عنهم.

وأما المباح منه فالعلم بالأشعار التي لا سخف فيها ، وتواريخ الأخبار وما يجري مجراه – والعلم بالأشعار والأخبار يكون مباحًا إذا كان الغرض منها التسلي والتفكه، وأما إذا قصد بالأشعار تعلم البلاغة وضبط اللغة ، وأريد بالأخبار الاحتجاج بها في السياسة التي منبعها التاريخ ونحوها ؛ فإنهما يكونان من الفرائض حينئذ -.) اهـ. ومنه يعلم أن المقصِّر في العلوم النافعة تبعة تقصيره عليه .