لنعرض الأمر على شرع الله تعالى حتى يطرد الزوج عن نفسه الوساوس، والشكوك ويزول عنه ما يجده في صدره من هم وغم، فإن سأل الزوجة عن حقيقة الأمر وأقسمت له على طهرها وعفافها، فعليه أن يصدق، فالأصل حمل ظاهر المسلم على الصلاح، أما كون الزوج لم يرى دم البكارة فهذا ليس دليلا على سوء خلقها؛ لأن ذهاب البكارة له أسباب كثيرة يعرفها المختصون من أهل الطب وذكر الفقهاء بعضها في كتب الفقه فمنها:

قد يكون بسبب شدة اندفاع دم الحيض، ومن ذلك الوثوب، وقد يحدث تمزق لغشاء البكارة بسبب ممارسة العادة السرية عن طريق إدخال أي جسم غريب داخل المهبل، كما أن هناك نوع من الأغشية يسمى الغشاء المطاطي، وهو لا يتمزق حتى مع العملية الجنسية، ويحتاج إلى تدخل طبيبة النساء والتوليد للكشف عنه، وأحياناً يستدعي التدخل الجراحي البسيط لتمزيقه، وعلى هذا فعدم وجود هذا الغشاء ليس دليلا على عدم العفة.

ومن الظلم البين أن نظن ظن السوء فنطعن في الأعراض ويكون في ذلك من الشر والبلاء ما لا يعلمه إلا الله –سبحانه وتعالى- ويقينا الرجل لم يقدم على الزواج من الفتاة إلا بعد التحري عن دينها وحسن سمعتها وسيرتها، ولذلك فالحذر أن يفسد الشيطان عليه أمر دينه ودنياه، فليتق الله في نفسه وليمسك عليه زوجه.

وكون الشاب تزوج الفتاة على أنها بكر ووجدها غير ذلك فجمهور الفقهاء على أن زوال البكارة ليس عيبا يرد به عقد النكاح طالما أنه لم يكن هناك غرر أو تدليس، ومن كان هذا حالها واختار الزوج أن يفارقها فلها المهر كاملا، ويجب على الزوج أن يكتم أمر زوجته ويحرم عليه أن يفضح أمرها لأن وازع الدين والإيمان قد ضعف في النفوس والقلوب، وفضح أمرها سيجعلها حديثا لمجالس السوء، فالجهل وضعف الدين جعل من مثل هذا الأمر مجلبة للمذمة والعار، ولذلك وجب الكتمان حتى لا ينال من عرض الزوجة وتتهم في دينها وشرفها.

جاء في كتاب المغني لابن قدامة الحنبلي:

إن شرطها بكرا , فبانت ثيبا . فعن أحمد كلام يحتمل أمرين , أحدهما : لا خيار له ; لأن النكاح لا يرد فيه بعيب سوى ثمانية عيوب , فلا يرد منه بمخالفة الشرط . والثاني , له الخيار ; لأنه شرط صفة مقصودة , فبان خلافها , فيثبت له الخيار , كما لو شرط الحرية . وعلى هذا لو شرطها ذات نسب , فبانت دونه , أو شرطها بيضاء , فبانت سوداء , أو شرطها طويلة , فبانت قصيرة , أو حسناء فبانت شوهاء , خرج في ذلك كله وجهان . ونحو هذا مذهب الشافعي .

وقال أبو ثور : القياس أن له الرد إن كان فيه اختلاف , وإن كان إجماعا فالإجماع أولى من النظر.
قال ابن المنذر : لا أعلم أحدا وافق أبا ثور على مقالته. وممن ألزم الزوج من هذه صفتها الثوري والشافعي، وأحمد، وإسحاق ، وأصحاب الرأي . وروى الزهري، أن رجلا تزوج امرأة، فلم يجدها عذراء، كانت الحيضة خرقت عذرتها، فأرسلت إليه عائشة إن الحيضة تذهب العذرة يقينا . وعن الحسن ، والشعبي ، وإبراهيم في الرجل إذا لم يجد امرأته عذراء: ليس عليه شيء ، العذرة تذهبها الوثبة ، وكثرة الحيض ، والتعنس ، والحمل الثقيل .

يقول الشيخ ابن باز– رحمه الله تعالى -:

هذا قد يقع كثيرًا ولا حول ولا قوة إلا بالله! مع العلم بأن أهل العلم قالوا: إن البكارة قد تذهب بغير الزنا قد تذهب من شدة الحيض، قد تذهب بما تفعله المرأة من بعض اللعب والجلس من مكان إلى مكان والنزول من مكان عال إلى مكان أسفل، قد يقع شيء من هذا وتزول البكارة بأسباب ذلك، وقد تكون بأسباب الزنا والفاحشة نسأل الله العافية.
والواجب على المؤمن في مثل هذه الأمور: الستر وعدم إعلان هذه الأمور فإن النبي عليه الصلاة والسلام قال: من ستر مسلمًا ستره الله في الدنيا والآخرة فالستر على المسلم أمر مطلوب من الرجال والنساء، وهذه الفاحشة قد تقع وقد لا تقع قد تكون زانية وقد تكون ما زنت ولكن ذهبت البكارة بأشياء أخرى.