التوبة والكفارة من الزنا في رمضان:

على المسلم أولا التوبة النصوح، فإن كان صائما وزنى عليه أن يكفر كفارة واحدة عن كل فعل قام به سواء كان لسنة واحدة أو لعدة سنوات مضت أخذا بالرأي الأيسر لدى بعض الفقهاء وهو صيام شهرين متتابعين فإن عجز عن الصيام يطعم ستين مسكينا عن كل يوم أفطره ويجوز له أن يخرج الكفارة إلى بلد غير بلد إقامته إن كانت هناك حاجة لذلك.

أما إن كان مفطرا من الأصل ثم زنى فهذا لا يحتاج كفارة وإن كان ذنبه عند الله أكبر وأشد وعليه بالتوبة الصادقة النصوح بأن لا يعود لمثله أبدا.

وهذه هي النتيجة الحتمية حينما يلتقي الشاب مع الفتاة بعيدا عن العيون، ويختفيان تحت جنح الظلام متصورين أن الدنيا قد غضت عنهما الطرف، ناسيين أن الله لا تأخذه سنة ولا نوم، وناسيين أنه ما من عضو منها تحرك أو سكن إلا وسجل في كتاب مشهود يقرأه صاحبه يوم القيامة على رؤوس الأشهاد.

إن الإسلام يعرف أن الشهوة الجنسية عاتية بطبعها، ولذلك شرع من التدابير ما يقللها و يهذبها حتى لا تنطلق الشهوة بصاحبها فتجره إلى مهاوي الردى.

فحرم الخلوة، وحرم التكسر والخضوع بالقول، والضرب بالرجل، وأوجب الغض من البصر، وحرم النظرة الثانية، وأوجب الاحتجاب والاحتشام على المرأة، وباعد بين الجنسين إلا لحاجة أو ضرورة.

ولكنك – أخي التائب- قد قفزت على هذه السدود جملة، فكان ما كان.

نصيحة لكل تائب عن الزنى في رمضان:

فأول ما ننصحك به أن تبكي على خطيئتك ، وأن تتوب من ذنبك، وأن ترجع إلى الله تعالى سائلا إياه العفو والصفح، واعلم أن من تمام توبتك أن تكره أن تعود إلى المعصية كما تكره أن تقذف في النار ، ومن تمام توبتك أن تصلح فيما بقي من عمرك، وأن تبين للشباب والفتيات أن يتقوا خطوات الشيطان، قال تعالى في شأن التائبين : (إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَبَيَّنُواْ فَأُوْلَـئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) (البقرة : 160 ) فتب وأصلح وبين، لا نقصد أن تفضح نفسك، ولكن بين للناس أن يربوا أولادهم وأن يراقبوهم، وبين للشباب أن يتقوا الله في الفتيات، وبين للفتيات أن يحذرن الشيطان وكيده.

أما عن كفارة الجماع في رمضان، فهي كفارة في حق من كان ينوي الصيام ثم أفسده بالجماع الحلال – أي جماع زوجته- وأما جماع الزنا فهو أشد إثما وأوخم عاقبة ، ويحتاج إلى استقامة تامة على طريق التوبة حتى ينزاح الذنب عن صاحبه….. فضلا عن هذه الكفارة ……هذا في حق من كان ينوي الصيام ثم أفسده بجماع حلال أو غيره.

أما من تعمد عدم الصيام في شهر رمضان فهذا لا تجب عليه الكفارة سواء أكان جماعه في حلال أو حرام، ولكن عليه أن يقضي أياما غير الأيام التي زنى فيها توبة إلى الله، وبراءة إليه من هذا الذنب العظيم.فالكفارة تجب على من نوى الصيام ثم أفسده بالجماع.

وليس معنى هذا أن من تجرأ على تعمد الإفطار أقل إثما ممن نواه ثم ضعف أثناء النهار فغلبته شهوته، ولكن ذلك كمن حلف يمينا على أن لا يفعل شيئا، فله أن يكفر عن هذا اليمين، ويأتي ما حلف عليه، أما من حلف بالله كاذبا فلا تفيده الكفارة ولا تشرع في حقه.

ذلك أن تعمد عدم الصيام في رمضان، وتعمد الحلف كاذبا من الذنوب الكبار التي لا تمحوها الحسنات، ولا تجبرها الكفارات، ولكن لابد لها من توبة يمحو بها ذنوبها السالفة.

فإذا كان الزنى وقت النية بالصيام فهذا يحتاج إلى كفارة مع التوبة النصوح ، وإن كان مع نية الإفطار فلا يحتاج إلى كفارة إفساد الصيام، ولكن على كل حال يحتاج إلى توبة لخدش الإسلام نفسه ، فالزاني لا يزني حين يزني وهو مؤمن.

والكفارة تدور بين ثلاثة أشياء : عتق رقبة مؤمنة، وصيام شهرين متتابعين ، وإطعام ستين مسكينا، لكل مسكين وجيتان مشبعتان. وهذه الكفارة واجبة على الترتيب، بمعنى أنه يجب العتق أولا، فإن عجز فالصيام ،فإن عجز فالإطعام ، ولا ينتقل إلى المستوى الثاني إلا بعد العجز التام عن المستوى الأول….. هذا مذهب الجمهور. وهو أحوط.

وذهب الشيخ القرضاوي إلى أن الكفارة على التخيير، أي يمكن أن يطعم حتى لو كان قادرا على الصيام، وقد يكون هذا أنسب له خاصة أن الصيام يشق على الإنسان غالبا.

كفارة الجماع في نهار رمضان:

جاء في كتاب فقه الصيام للشيخ القرضاوي :-
والكفارة الواجبة في الجماع على الترتيب عند جمهور الفقهاء، أي يجب العتق، فإن عجز فالصيام فإن عجز فالإطعام.
ودليلهم: أن أكثر الروايات عن أبي هريرة تفيد أن الرسول صلى الله عليه وسلم طلب منه أن يعتق رقبة فلما أظهر عجزه، طلب منه أن يصوم شهرين، فلما ذكر عذره، قال له: “أطعم ستين مسكينًا”، فدل ذلك أنها على الترتيب (ذكر الإمام ابن دقيق العيد في (الأحكام): أن القاضي عياضًا نازع في ظهور دلالة الترتيب في السؤال على ذلك. وقال: إن مثل هذا السؤال قد يستعمل فيما هو على التخيير، هذا أو معناه وجعله يدل على الأولوية مع التخيير. ومما يقوي هذا الذي ذكره القاضي: ما جاء في حديث كعب بن عُجرة من قول النبي صلى الله عليه وسلم: “أتجد شاة؟” فقال: لا. قال: “فصم ثلاثة أيام، أو أطعم ستة مساكين” ولا ترتيب بين الشاة والصوم والإطعام، والتخيير في الفدية ثابت بنص القرآن. انظر: الأحكام -15/2، بتحقيق أحمد شاكر).
وذهب مالك ـ وهو رواية عن أحمد – أنها على التخيير بين العتق والصيام والإطعام، فبأيها كفّر أجزأه.
ودليل ذلك: ما رواه مالك في موطئه، ورواه عنه الشيخان، عن الزهري، عن حميد بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة: أن رجلاً أفطر يومًا من رمضان، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يُكفِّر بعتق رقبة، أو يصوم شهرين أو يطعم ستين مسكينًا (وفيهما من حديث ابن جريج عن الزهري نحوه، وتابعهما أكثر من عشرة). وفطره كان بجماع، و (أو) تدل على التخيير، كما في كفارة اليمين.

ولأنها كفارة تجب بالمخالفة، فكانت على التخيير، مثل كفارة اليمين.

وربما يُقوِّي هذا الرأي أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يشدد على الرجل كثيرًا في إلزامه بالصوم برغم ما يظهر من شبابه وقوته اللذين دفعاه إلى المواقعة في رمضان، ويخشى أن يدفعاه إلى مثل ذلك في القضاء.

كما يؤيد هذا -من الناحية العملية – في عصرنا أمران:.

الأول: ضعف عزائم أكثر الناس عن صيام الشهرين المتتابعين ومشقتهما عليهم.

الثاني: انتشار الفقر في العالم الإسلامي، وحاجة كثير من المسلمين إلى الإطعام، أو قيمته عند من يجيزها. (انتهى).

وأما هل تتعدد الكفارة بتعدد الذنب أم تكفي كفارة واحدة عن كل ما فعل؟ فيقول العلامة ابن رشد :-

إنهم أجمعوا على أن من وطئ في يوم رمضان ثم كفر ثم وطئ في يوم آخر أن عليه كفارة أخرى، وأجمعوا على أنه من وطئ مرارا في يوم واحد أنه ليس عليه إلا كفارة واحدة. واختلفوا فيمن وطئ في يوم من رمضان ولم يكفر حتى وطئ في يوم ثان، فقال مالك والشافعي وجماعة: عليه لكل يوم كفارة، وقال أبو حنيفة وأصحابه: عليه كفارة واحدة ما لم يكفر عن الجماع الأول. والسبب في اختلافهم تشبيه الكفارات بالحدود، فمن شبهها بالحدود قال: كفارة واحدة تجزئ في ذلك عن أفعال كثيرة كما يلزم الزاني جلد واحد، وإن زنى ألف مرة إذا لم يحد لواحدة منها. ومن لم يشبهها بالحدود جعل لكل واحد من الأيام حكما منفردا بنفسه في هتك الصوم فيه أوجب في كل يوم كفارة. قالوا: والفرق بينهما أن الكفارة فيها نوع من القربة. والحدود زجر محض.انتهى.

واعلم أنما ذهب إليه أبو حنيفة من الاكتفاء بكفارة واحدة هو إذا كان الذنب قد تعدد في شهر واحد من رمضان ، أما إذا تعدد الذنب في أكثر من رمضان فالصحيح عنه- كما ذكر النووي– أن الكفارة تتعدد عنده.

وعلى هذا… فإذا أمكن الأخذ برأي أبي حنيفة من أن تسع من فعل شيئا كفارة واحدة ، فمعناه أن يكفر كفارة عن كل سنة فعل فيها هذا الذنب حتى لو تعدد في السنة الواحدة، أي تكفي كفارة واحدة عن شهر رمضان كله، ولكن عليه عن كل شهر كفارة ، وعند غير أبي حنيفة … عن كل يوم كفارة…. ولأن يكفر عن كل مرة فلهو أبرأ لذنبه، وأرجى للمغفرة….. وأما عن عدد المرات فبما يغلب على ظنه.

وإذا اختار الإطعام،فلكل مسكين وجبتان مشبعتان من غالب الطعام الذي يأكله، أو قيمة وجبتين، والإطعام أفضل خروجا من الخلاف، واتباعا للفظ القرآن، ونقل القيمة إلى خارج البلد لفقراء خارجين جائز خاصة إذا كانوا أحوج من البلد الذي تعيش فيه.

قال النووي في حكم نقل أموال الكفارة:-

قال أصحابنا : في نقل الكفارات والنذور عن البلد الذي وجبت فيه ونقل وصية أوصى للفقراء وغيرهم ، ولم يذكر بلدا قولان ( أحدهما ) وبه قطع جماعة من العراقيين لها حكم الزكاة فيجري فيها الخلاف كالزكاة وأصحهما عند الخراسانيين وتابعهم الرافعي عليه القطع بالجواز ؛ لأن الأطماع لا تمتد إليها امتدادها إلى الزكوات . وهذا هو الصحيح .