من المعلوم أن المسلم لا يعين أحداً على معصية الله، فيجب على سائق سيارة الأجرة أن لا يجعل سيارته وسيلة للوصول إلى ما حرم الله تعالى مثل أماكن الدعارة والمعصية، ولا يحمل خمرا ولا يعين من يريد شرب الخمر عليها لأن ذلك تعاون مع أولئك العصاة على معصيتهم، والله تعالى يقول: (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان) [المائدة: 2]. كما يجب عليه أن لا يدع أحداً يرتكب في سيارته معصية، وإن رآه يريد ارتكابها فليغير قدر استطاعته. ويجب عليه أن يقدم مرضاة الله تعالى وتقواه على مرضاة الزبائن، أما إذا خلى الأمر عن المحرمات فإن العمل يأخذ حكم الإباحة؛ لأنك تقدم خدمة مباحة تأخذ عليها أجراً.

ولقد سئل فضيلة الشيخ ابن جبرين ـ من علماء السعودية عن هذا فأجاب:

لا شك أن هذا يعتبر من التعاون على الإثم والعدوان ، فننصحك ألا تأخذ هؤلاء إلى بيوت الدعارة ، أو بيوت الفساد والمسكرات ، وسوف تجد غيرهم ، وسواء كان ذلك بحملك لهم من هذه الأماكن أو إليها ، ومن يتق الله يجعل له مخرجا ، فاطلب غيرهم من الأماكن الأخرى .

وإذا قدّر أنك حملتهم وأنت لم تعرف هذا القصد فلا نقول أن الأجرة حرام عليك لأنها عوض تعبك ، وأجرة سيارتك . أهـ

وكذلك يقول سماحة المستشار فيصل مولوي ـ نائب رئيس المجلس الأوربي للبحوث والإفتاء:

أنت أيها المسلم إنما تعمل عملاً حلالاً من حيث الأصل، وهو أنك كباقي سائقي سيارات الأجرة تقل الناس من مكان إلى آخر، وتأخذ أجرك مقابل هذه الخدمة التي تؤديها، وليس مقابل شيء آخر، ثم إنك تقل الناس إلى أماكن قد تعرف ما فيها وقد لا تعرف، فلست مسؤولاً عن نيات الزبائن ومقاصدهم، فما يدريك بأن كل زبون من هؤلاء إنما هو ذاهب إلى معصية، وهي مختلفة بحقه لأن زبائنك في معظم الأحيان ليسوا مسلمين، ونيتك أنت العمل لكسب المعاش وهي نية مشروعة وفيها عبادة لله تعالى، وعملك مباح فلا تسأل عن نيات الزبائن ومقاصدهم وإن كانت تبدو لك واضحة، وإن رأيت أنك تستطيع أن تحتاط لدينك بتغيير العمل فهذا أفضل وإلا فليس عليك إثم فيما يفعله الزبائن، أو أين يقصدون طالما أنت لا تشارك في شيء من هذه المعصية بنفسك.

أما الزبون الذي يستوقفك ليشتري الخمر فحاول أن تعتذر منه بلباقة وأنك لا تحمل الخمر في سيارتك ذلك لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “إن الله عز وجل لعن الخمر وعاصرها ومعتصرها، وشاربها، وحاملها، والمحمولة إليه، وبائعها، ومبتاعها، وساقيها، ومسقاها” رواه أحمد والطبراني، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد: رجاله ثقات. فالخمر بذاتها حرام، وحملها ونقلها معصية.

أما الكافر، وكذلك المسلم الفاسق فنقله جائز؛ لأنه إنسان مكرم وقد يرتكب المحرمات وقد لا يرتكبها.

ومع ذلك فقد أفتى الإمام أبو حنيفة رضي الله عنه بجواز أن يؤجر المسلم نفسه أو دابته أو السيارة لتعميد كنيسة أو لحمل خمر ذمي، لا لعصرها: لأنه لا معصية في الفعل عينه، لأن الإجارة على الحمل ليس بمعصية ولا سبب لها، إنما تحصل المعصية باختيار الشارب، وكذلك أجاز إجارة البيت لاتخاذه كنيسة أو لبيع الخمر في بلاد غالب أهلها من المسلمين، بينما قال جمهور العلماء – الشافعي وأحمد ومالك والصاحبان أبو يوسف ومحمد من الحنفية-: لا ينبغي للمسلم أن يؤجر الإجارات السابقة وهي حرام أو مكروهة، لأنها إعانة على المعصية.