من محظورات الإحرام مس الطيب في حال الإحرام لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا تلبسوا القمصاء ولا العمائم ولا السراويلات ولا البرانس ولا الخفاف إلا أحدًا لا يجد نعلين فيلبس خفين وليقطعهما أسفل الكعبين، ولا يلبس من الثياب ما مسه ورثة أو زغفران.

والمقصود بهذا أن المحرم بعد إحرامه بالحج أو العمرة لا يقرب الطيب ولا يمسه بدنه أو ثوبه للنهي عن ذلك صراحة في هذا الحديث. ولكن إذا اغتسل قبل الإحرام بالحج أو العمرة وطيب ثوبه أو بدنه فإن ذلك جائز عند جمهور الفقهاء؛ لحديث السيدة عائشة رضي الله عنها: كنت أطيب رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم لإحرامه قبل أن يحرم، ولحله قبل أن يطوف بالبيت.

وقد أنكر عبد الله بن عمر قولها هذا فبلغها ذلك فقالت يرحم الله أبا عبد الرحمن لقد طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم فطاف على نسائه ثم أصبح محرمًا. ولكن يروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن الطيب قبل الإحرام في الثوب أو البدن؛ لما روى أن رجلاً سأله فقال: ما ترى في رجل أحرم بعمرة في جبة بعدما تضمخ بطيب؛ فنزل الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما أفاق قال أين السائل عن العمرة آنفاً فأوتي به فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما الطيب الذي بك فغسله ثلاثًا، وأما الجبت فانزعها ثم اصنع ما شئت في عمرتك كما تصنع في حجك.

وهذا دليل على أن إمساس المحرم بدنه أو ثوبه بالطيب ممنوع، وأما حديث عائشة فقد تأوله بعض الفقهاء على أن رسول الله بعدما طيبته السيدة عائشة قبل إحرامه زال عنه هذا الطيب بالاغتسال عند الإحرام فصار عند إحرامه ولا طيب عليه لا في بدنه ولا في ثوبه. وإذا علمنا أن الحكمة من شرعية الحج أن يتجرد الإنسان من شواغل الدنيا، وأن يظهر الناس في صعيد عرفة ومنى وغير ذلك من المناسك شعثًا غبرا للتذكير بموقفهم عند الحشر.

ويمنع المحرم من الاغتسال لأنه ربما أزال بعض شعر رأسه أو بدنه وهذا منهي عنه بقصد أو بغير قصد لقول الحق سبحانه وتعالى: ” ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله” وهذا يقتضي منع الاغتسال إلا بعد التحلل من الإحرام خشية إسقاط بعض شعرات عند الاغتسال بل إن إلقاء التفف وهو الوسخ من على بدن المحرم يعد من محظورات الإحرام عند المالكية؛ ولهذا قالوا: إن في إلقاء التفف بالاغتسال ونحوه دم، وهذا لا ينافي أن الإسلام دين النظافة وذلك لأن مدة الإحرام مدة قليلة لا تتجاوز ثلاثة أيام.