المرأة إن عقد عليها ، وطلقت ، فلها نصف المهر، إن لم يكن دخل بها أو جامعها .
ولابد من التفريق بين الخطبة التي هي مجرد وعد بالزواج ،وليس هناك حقوق أو واجبات ، ولا التزامات بين الرجل والمرأة ، وبين العقد، فالعاقد يسمى في الشرع زوجا ، والزوج يصح منه الطلاق، أما الخاطب فلا يصح منه الطلاق ، ولو تلفظ بالطلاق، ما كان له محل من الإيقاع، لأنه تصرف في غير محله .
فإذا عقد الرجل على الزوجة، وطلقها قبل الدخول بها، فلها نصف المهر، ولكن إن خلا بها خلوة شرعية، فالجمهور على أن لها المهر كله ، بسبب الخلوة ، وهو مذهب الخلفاء الراشدين ، والأئمة الثلاثة، والشافعي في القديم ، وذهب الإمام الشافعي في مذهبه الجديد إلى أن لها من المهر نصفه ، ولو خلا بها .
وهو قول ابن عباس ، وسفيان الثوري، والليث بن سعد .
واستدل الشافعي بما رواه بسنده عن مسلم بن خالد أخبرنا ابن جريج عن ليث بن أبي سليم عن طاوس عن ابن عباس أنه قال في الرجل يتزوج المرأة فيخلو بها ولا يمسها ثم يطلقها : ليس لها إلا نصف الصداق لأن الله يقول ” وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم ” قال الشافعي بهذا أقول .
ولكن ليث بن سليم غير محتج به ، كما قال الإمام البيهقي ، وأوصله البيهقي من طريق آخر .
وقد استدل الجمهور بقوله تعالى :” وَآتُواْ النَّسَاء صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً” النساء 4، فأوجب الوفاء بالجميع ، ولا يجوز أن يسقط منه شيئا إلا بدليل .
كما استدلوا بقوله تعالى: ” وَإِنْ أَرَدتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا فَلاَ تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً. *  وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا” النساء 20  – 21، وحملوا الإفضاء بمعنى الخلوة .
قال الفراء من علماء اللغة : الإفضاء الخلوة ، دخل بها أم لم يدخل .
والمقصود بها الخلوة الصحيحة ، التي لا تمنع الزوج من الاستمتاع بمن عقد عليها .
واستدلوا بقوله تعالى :”فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُم بِهِ مِن بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا” النساء 24، وظاهر الآية يقتضي دفع المهر كاملا ، إلا ما أتى الدليل بغير هذا .
ومن السنة : ما روى محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان قال : قال رسول الله : ( من كشف خمار امرأة ونظر إليها وجب الصداق دخل بها أو لم يدخل ) .
و عن زرارة بن أوفى قال : ( قضى الخلفاء الراشدون المهديون أنه من أغلق بابا أو أرخى سترا فقد وجب المهر ووجبت العدة ) فأخبر أنه قضاء الخلفاء الراشدين , وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي وعضوا عليها بالنواجذ ) ..
ويستدل الجمهور من جهة العقل ، أن عقد النكاح صح، وحدوث الخلوة فيها ترك للزوج أن يأتي حقه ، فلم يكن امتناعه سببا عن عدم صحة العقد أو الإخلال به ، كمن أجر دارا ، وسلمها للمستأجر، فلم ينفع بها ، فليس هناك تقصير من المؤجر .
واستدل من قال بأن لها نصف المهر ولو خلا بها بما يلي :
قوله تعالى :”وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إَلاَّ أَن يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَن تَعْفُواْ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلاَ تَنسَوُاْ الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ  “.  البقرة 237 .
وقوله تعالى :” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا ” الأحزاب 49، فأوجب الله كامل المهر لها ، والعدة بعد المس ، وهو الوطء ، ولم يحدث ، فكان لها نصف المهر .
وعلى ما سبق ، فإن كان الزوج لم يخل بزوجته المعقود عليها ، فلها نصف المهر ، وتدفع له النصف الآخر، إلا أن تتنازل عن كامل المهر ، لقوله تعالى :” إلا أن يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح “.
أما إن كان خلا بها خلوة شرعية ، قبل البناء، فإن لم يتم بينهما مباشرة ، فالراجح أن لها نصف المهر .
ويكون لها المهر كاملا في بعض الحالات ، منها :
– أن يكون دخل بها ، ولم يجامعها ، فإذا زفت إليه ، ولم يدخل بها ، وطلقها قبلها ، فلها المهر كاملا .
– أن يكون قد خلا بها ، وجامعها ، ولم يكن هناك إشهار للدخول ، كأن يكون أخذ زوجته المعقود عليها ، غير المدخول بها ، ودخل بها دون إذن أهلها ، فيكون لها المهر .
ويحمل قول الجمهور من الاستدلال في الآية الأولى (وآتوا النساء صدقاتهن نحلة) ، فهذه في إيجاب المهر من حيث الأساس، وليس في حالة المعقود عليها غير المدخول بها .
ويحمل معنى الإفضاء على الجماع والدخول في الآية الثانية .
وقوله ” فما استمتعتم به فآتوهن أجورهن ” ، فيحمل الاستمتاع على الجماع، وإن لم يكن جماعا ، فقد أخذت الأجرة من إيجاب نصف المهر لها ، كما أخبر المولى سبحانه وتعالى .
وقضاء الخلفاء الراشدين خالفه ابن عباس وغيره ، فليس فيه إجماع .
والخلاصة، إن كان الزوج قد دفع المهر كاملا للمعقود عليها ، فإن لم يكن دخل بها دخولا صحيحا ، ولو بغير جماع، أو لم يكن جامعها بغير دخول مشتهر، فعليها إرجاع نصف المهر له .