قال تعالى: (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون) هذه الآية تدل على حرمة الكلام أثناء قراءة القرآن في موضعين اثنين:-
الموضع الأول:- المأموم عند سماعه لقراءة إمامه على خلاف وتفصيل بين العلماء في تحديد نوع الصلاة التي يؤمر فيها المأموم بذلك.
الموضع الثاني:– أثناء الخطبة يوم الجمعة.

وما عدا ذلك فلا يكون الاستماع واجبا، فالاستماع لقراءة القرآن في غير هذين الموضعين من الآداب الشرعية سواء أكان من الإذاعة، أو التسجيل، أو القراءة المباشرة.
ولا يعني ذلك التهاون في السماع، ولكن يعني أن الأمر واسع على من تكلم أثناء القراءة، ولا إثم عليه.

يقول الأستاذ الدكتور حسام الدين عفانه أستاذ الفقه وأصوله بجامعة القدس:-
يرى كثير من أهل العلم أن هذه الآية الكريمة ” وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون) سورة الأعراف /204. قد نزلت في الصلاة، وهذا يدل على أن الاستماع لقراءة القرآن يكون واجباً حال قراءة الإمام للقرآن في الصلاة سواء كانت فرضاً أو نفلاً، ونقل ابن جرير الطبري شيخ المفسرين، أن هذه الأية نزلت في الصلاة عن جماعة من السلف، فقد روى ابن جرير بسنده عن أبي هريرة قال: (كانوا يتكلمون في الصلاة، فلما نزلت هذه الآية (وإذا قرئ القرآن). أمروا بالإنصات.
وروي مثل ذلك عن ابن عباس وابن مسعود والزهري وعطاء وعبيد بن عمير وعن سعيد بن المسيب ومجاهد وسعيد بن جبير والضحاك وإبراهيم النخعي وقتادة وغيرهم.
وهذا أرجح أقوال أهل العلم في سبب نزول هذه الآية ،وبناء عليه يكون الاستماع واجباً لقراءة الإمام في الصلاة.

وأما الاستماع والإنصات لقراءة القارئ خارج الصلاة، سواء كان يقرأ من الإذاعة أو في المسجد أو كان يقرأ من المسجل فمندوبة.
قال ابن عبد البر: -“في قول الله عز وجل : “وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون)، مع إجماع أهل العلم أن مراد الله من ذلك في الصلوات المكتوبة أوضح الدلائل على أن المأموم إذا جهر إمامه في الصلاة أنه لا يقرأ معه بشيء، وأن يستمع له وينصت “فتح المالك بترتيب التمهيد لابن عبد البر على موطأ مالك 2/126.
وذكر ابن عبد البر في الاستذكار، وفي التمهيد خبر أبي عياض عن أبي هريرة قال: (كانوا يتكلمون في الصلاة حتى نزلت هذه الآية (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا)) وقال إبراهيم بن مسلم: “فقلت لأبي عياض: لقد كنت أظن أن لا ينبغي لأحد يسمع القرآن ألا يسمع، قال: إنما ذلك في الصلاة المكتوبة، فأما في الصلاة غير المكتوبة فإن شئت سمعت وإن شئت مضيت ولم تسمع ” الاستذكار 4/230.

وقال ابن جرير الطبري بعد أن ساق أقوال العلماء في تأويل الآية السابقة :”
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال: أمروا باستماع القرآن في الصلاة إذا قرأ الإمام، وكان من خلفه ممن يأتم به يسمعه في الخطبة، وإنما قلنا ذلك أولى بالصواب لصحة الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( إذا قرأ الإمام فأنصتوا) وإجماع الجميع على أن من سمع خطبة الإمام ممن عليه الجمعة، الاستماع والإنصات لها مع تتابع الأخبار بالأمر بذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأنه لا وقت يجب على أحد استماع القرآن والإنصات لسماعه من قارئه إلا في هاتين الحالتين على اختلاف في إحداهما وهي حالة أن يكون خلف إمام مؤتم به. وقد صح الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بما ذكر من قوله: (إذا قرأ الأمام فأنصتوا).
فالإنصات خلفه لقراءته واجب على من كان مؤتماً سامعاً قراءته بعموم ظاهر القرآن والخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ” تفسير الطبري 6/166.
وحكى ابن المنذر الإجماع على عدم وجوب الاستماع والإنصات في غير الصلاة والخطبة وذلك أن إيجابهما على كل من يسمع أحداً يقرأ فيه حرج عظيم لأنه يقتضي أن يترك له المشتغل بالعلم علمه والمشتغل بالحكم حكمه، والمتبايعان مساومتهما وتعاقدهما ، وكل ذي شغل شغله “تفسير المنار 9/552-553.

وقال العز بن عبد السلام:
” الاستماع للقرآن والتفهم لمعانيه من الآداب المشروعة المحثوث عليها، والانشغال عن ذلك بالتحدث بما لا يكون أفضل من الاستماع سوء أدب على الشرع ” فتاوى العز بن عبد السلام ص 485-586.

وقال جلال الدين السيوطي: ” يسن الاستماع لقراءة القرآن، وترك اللغط والحديث بحضور القراءة ، قال تعالى: (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون). الاتقان 1/145.
ومما يدل على أن الاستماع لقراءة القرآن خارج الصلاة والخطبة مندوب ما ورد من الأدلة في جواز الكلام خارج الصلاة والخطبة.

ومما ينبغي التنبيه عليه،أن ترك الاستماع والإنصات للقرآن والانشغال بالأحاديث المختلفة مكروه كراهية شديدة، وتكون الكراهة أشد إذا كان المتحدثون بأمور الدنيا قرب قارئ القرآن، وأما إذا كان المجلس فيه كثير من الناس يستمعون وينصتون، فتنحى بعضهم وتحدثوا بصوت منخفض من غير تشويش على الاخرين فالخطب هين ويسير.

ولا يعني قولنا : إن الاستماع لقارئ القرآن في المسجد أو الإذاعة أو من المسجل مندوب أن يتساهل الناس في الاستماع لكلام الله، فينبغي لكل مسلم أن يحرص على الاستماع والإنصات لقراءة القرآن وأن يتأدب في مجلس قراءة القرآن.