السمر هو التحلق بعد صلاة العشاء للكلام والحديث، والسمر لغير طاعة أو أمر مباح مذموم، والحكمة في هذا أن من صلى العشاء قد كفرت الصلاة ذنوبه فليهنأ بهذا وليختم يومه بطاعة والأحاديث الناهية توجه لما لا فائدة فيه.
أما إذا كانت هناك مصلحة شرعية معتبرة للسمر جاز وذلك مثل إتحاف الضيف أو دراسة كتب العلم أو تفقد أحوال المسلمين.

جاء في أحكام القرآن لابن العربي:
روى سعيد بن جبير عن ابن عباس، إنما كره السمر حين نزلت هذه الآية: { مستكبرين به سامرا تهجرون } يعني أن الله ذم قوما بأنهم يسمرون في غير طاعة الله، إما في هذيان، وإما في إذاية. وفي الصحيح عن أبي برزة وغيره: { كان النبي صلى الله عليه وسلم يكره النوم قبلها والحديث بعدها } يعني صلاة العشاء الآخرة؛أما الكراهية للنوم قبل العشاء فلئلا يعرضها للفوات. وكذلك قال عمر فيها: ” فمن نام فلا نامت عينه، فمن نام فلا نامت عينه، فمن نام فلا نامت عينه “. وأما كراهية السمر بعدها؛ فلأن الصلاة قد كفرت خطاياه، لينام على سلامة، وقد ختم الملك الكريم الكاتب صحيفته بالعبادة، فيملؤها بالهوس، ويجعل خاتمها الباطل أو اللغو؛ وليس هذا من فعل المؤمنين.

وقد قيل: إنما يكره السمر بعدها لما روى جابر بن عبد الله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: { إياكم والسمر بعد هدأة الرجل؛ فإن أحدكم لا يدري ما يبث الله من خلقه، أغلقوا الأبواب، وأوكوا السقاء، وخمروا الآنية، وأطفئوا المصابيح }. وكان عمر يجدب السمر بعد العشاء، أي يعيبه، ويطوف بالمسجد بعد العشاء الآخرة، ويقول: ” الحقوا برحالكم، لعل الله أن يرزقكم صلاة في بيوتكم ” وقد كان يضرب على السمر حينئذ ويقول: ” أسمرا أول الليل، ونوموا آخره، أريحوا كتابكم “، حتى إنه روي عن عبد الله بن عمر أنه قال: ” من قرض بيت شعر بعد العشاء لم تقبل له صلاة حتى يصبح ” وأسنده شداد بن أوس إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقد قال البخاري: باب السمر في الفقه والخير بعد العشاء،

وذكر قرة بن خالد قال: انتظرنا الحسن، وراث علينا حتى جاء قريبا من وقت قيامه، فقال: دعانا جيراننا هؤلاء. ثم قال: قال أنس: انتظرنا النبي ذات ليلة حتى إذا كان شطر الليل، فجاء فصلى، ثم خطبنا، فقال: { ألا إن الناس قد صلوا ورقدوا، وإنكم لم تزالوا في صلاة ما انتظرتم الصلاة }. قال الحسن: ” وإن القوم لا يزالون في خير ما انتظروا الخير “. ثم قال: ” باب السمر مع الضيف والأهل “: وقال عبد الرحمن بن أبي بكر إن أصحاب الصفة كانوا أناسا فقراء، وإن النبي قال: { من كان عنده طعام اثنين فليذهب بثالث، وإن كان عنده طعام أربعة فليذهب بخامس بسادس }، وإن أبا بكر جاء بثلاثة، وانطلق النبي بعشرة. قال: فهو وأنا وأبي وأمي، ولا أدري هل قال: وامرأتي وخادم بين بيتنا وبيت أبي بكر، وإن أبا بكر تعشى عند النبي صلى الله عليه وسلم ثم لبث حتى صليت العشاء، ثم رجع فلبث حتى نعس النبي، فجاء بعدما مضى من الليل ما شاء الله. قالت له امرأته: ما حبسك عن أضيافك ؟ قال: أوما عشيتهم، قالت: أبوا حتى تجيء. قال: فذهبت أنا فاختبأت. وقال: يا غنثر، فجدع وسب، وقال: “كلوا، لا هنيئا، والله لا أطعمه أبدا. وايم الله ما كنا نأخذ من لقمة إلا ربا من أسفلها أكثر منها “. قال: وشبعوا، وصارت أكثر مما كانت قبل ذلك، فنظر إليها أبو بكر، فإذا هي كما هي أو أكثر. فقال لامرأته: يا أخت بني فراس، ما هذا قالت: لا، وقرة عيني، لهي الآن أكثر منها قبل ذلك بثلاث مرار، فأكل منها أبو بكر، وقال: إنما كان ذلك من الشيطان يعني يمينه، ثم أكل منها لقمة، ثم حملها إلى النبي، فأصبحت عنده، وكان بيننا وبين قوم عقد، فمضى الأجل، ففرقنا اثني عشر رجلا، مع كل رجل منهم أناس، الله أعلم كم مع كل رجل، فأكلوا منها أجمعون، أو كما قال.

قال الفقيه القاضي أبو بكر رضي الله عنه: هذا يدلك على أن النهي عن السمر إنما هو لأجل هجر القول أو لغوه، أو لأجل خوف فوت قيام الليل. فإذا كان على خلاف هذا أو تعلقت به حاجة أو غرض شرعي فلا حرج فيه، وليس هو من منزع الآية، وإنما هو مأخذ آخر على ما بيناه أهـ

جاء في نيل الأوطار للشوكاني:
توجه أحاديث المنع إلى الكلام المباح الذي ليس فيه فائدة تعود على صاحبه، وأحاديث الجواز إلى ما فيه فائدة تعود على المتكلم أو يقال دليل كراهة الكلام والسمر بعد العشاء عام مخصص بدليل جواز الكلام والسمر بعدها في الأمور العائدة إلى مصالح المسلمين. قال النووي: واتفق العلماء على كراهة الحديث بعدها إلا ما كان في خير. قيل: وعلة الكراهة ما يؤدي إليه السهر من مخافة غلبة النوم آخر الليل عن القيام لصلاة الصبح في جماعة. أو الإتيان بها في وقت الفضيلة والاختيار، أو القيام للورد من صلاة أو قراءة في حق من عادته ذلك، ولا أقل لمن أمن من ذلك من الكسل بالنهار عما يجب من الحقوق فيه والطاعات. ( وعن { ابن عباس قال: رقدت في بيت ميمونة ليلة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عندها لأنظر كيف صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالليل قال: فتحدث النبي صلى الله عليه وسلم مع أهله ساعة ثم رقد، } وساق الحديث. رواه مسلم ). الحديث استدل به من قال بجواز السمر مطلقا؛ لأن التحدث الواقع منه صلى الله عليه وسلم لم يقيد بما فيه طاعة ولا بأس بتقييده بما فيه طاعة جمعا بين الأدلة كما سبق أنه يمكن أن يكون وقوع ذلك منه صلى الله عليه وسلم لبيان الجواز، وللإشعار بالمنع من حمل الأدلة القاضية بمنع السمر على التحريم.
ويمكن أن يقال: إن العلة التي ذكرناها للكراهية منتفية في حقه صلى الله عليه وسلم لأمنه من غلبة النوم وعروض الكسل ويجاب بمنع أمنه من غلبة النوم مسندا بنومه في الوادي وأما أمنه من عروض. الكسل فمسلم إن لم يكن ذلك في الأمور العارضة، لطبيعة الإنسان الخارجة عن الاختيار.