اختلف الفقهاء في مكان عدة المتوفى عنها زوجها، فمنهم من ذهب إلى وجوب بقائها في منزل زوجها، ومنهم من يرى أنه لا أثر للمكان في العدة ، ومنهم من ذهب إلى أن تعتد في المكان الذي أتاها فيه خبر الوفاة .
والأصل بقاء الزوجة أن تعتد في بيت زوجها، ولا تخرج إلا لحاجة، إلا إذا كان هناك ما يجعل ترك المكان واجبا .

هل يجب على المراة في عدة الوفاة أن تعتد في بيتها

يقول العلماء في هذا :
الأول:وجوب الاعتداد في البيت، وبه قال عمر ، وعثمان رضي الله عنهما و ابن عمر ، وابن مسعود ، وأم سلمة، و مالك، والثوري، والأوزاعي، وأبو حنيفة، والشافعي، وإسحاق وغيرهم من فقهاء الأمصار .

الثاني:لها أن تعتد حيث شاءت ، وهو مروي عن علي ، وابن عباس ، وجابر ، وعائشة رضي الله عنهم ، كما روي عن جابر بن زيد ، والحسن ، وعطاء تعتد حيث شاءت .

الثالث:لا تبرح من مكانها الذي أتاها فيه نعي زوجها ،وبه قال سعيد بن المسيب ، والنخعي. (المغني لابن قدامة : ج8 /ص: 128 ) .

حكم خروج المرأة وهي في عدة الوفاة من بيتها

أما عن قضية الخروج ، فيرى الإمام مالك أنه يجب على المرأة التي توفي عنها زوجها ألا تخرج من بيتها ، ولا أن تعتد في غيره .

ويرى جماعة من فقهاء الصحابة ، منهم عبد الله بن مسعود وعمر وزيد بن ثابت وأم سلمة وعثمان ، أنهم قالوا : ( المتوفى عنها زوجها تخرج بالنهار ولا تبيت عن بيتها ) .
وروى عبد الرزاق عن ابن كثير عن مجاهد قال : { استشهد رجال يوم أحد فآمت نساؤهم وكن متجاورات في دار ، فأتين رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلن : نبيت عند إحدانا ؟ فقال : تزاورن بالنهار فإذا كان الليل فلتأو كل واحدة منكن إلى بيتها } (أحكام القرآن للجصاص : ج1/ ص : 571 -572) .
كما ذهب بعض الأحناف إلى أنه يجوز للمتوفى عنها زوجها أن تبيت نصف الليل خارج بيتها .
جاء في كنز الدقائق من كتب الأحناف :” في الظهيرية والمتوفى عنها زوجها لا بأس بأن تتغيب عن بيتها أقل من نصف الليل قال شمس الأئمة الحلواني وهذه الرواية صحيحة ا هـ .” ( انظر: البحر الرائق شرح كنز الدقائق لابن نجيم الحنفي : ج 4 /ص: 167، طبع دار الكتاب الإسلامي، ورد المحتار على الدر المختار :ج 3/ ص: 537، طبع دار الكتب العلمية ) .

أدلة كل فريق :
أدلة الفريق الأول :
ومن أشهر ما استدل الجمهور به، ما روت فريعة بنت مالك بن سنان ، أخت أبي سعيد الخدري ، { أنها جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته أن زوجها خرج في طلب أعبد له ، فقتلوه بطرف القدوم ، فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أرجع إلى أهلي ، فإن زوجي لم يتركني في مسكن يملكه، ولا نفقة . قالت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : نعم . قالت : فخرجت حتى إذا كنت في الحجرة أو في المسجد ، دعاني ، أو أمر بي فدعيت له ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كيف قلت فرددت عليه القصة ، فقال : امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله . فاعتددت فيه أربعة أشهر وعشرا ، فلما كان عثمان بن عفان أرسل إلي ، فسألني عن ذلك ، فأخبرته فاتبعه ، وقضى به } . رواه مالك ، في موطئه ، والأثرم ، وهو حديث صحيح .

واستدل الفريق الثاني:

بما ورد عن ابن عباس : نسخت هذه الآية عدتها عند أهله، وسكنت في وصيتها، وإن شاءت خرجت ; لقول الله تعالى: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} البقرة 234 . قال عطاء : ثم جاء الميراث ، فنسخ السكنى ، تعتد حيث شاءت . رواهما أبو داود

واستدل الفريق الثالث:

بألفاظ أخرى لحديث الجمهور، وهي: (اعتدي في البيت الذي أتاك فيه نعي زوجك) وفي لفظ : (اعتدي حيث أتاك الخبر ) .
وعلق الإمام ابن قدامة على الرأي الثالث بقوله :
” واللفظ الآخر قضية في عين ، والمراد به هذا ، فإن قضايا الأعيان( 128) لا عموم لها ، ثم لا يمكن حمله على العموم ; فإنه لا يلزمها الاعتداد في السوق والطريق والبرية ، إذا أتاها الخبر وهي فيها “( المغني لابن قدامة : ج8 /ص: 128-129 )

والذي يبدو أن الأصل في المسألة هو بقاء المرأة في بيت زوجها المتوفى عنها ، وأنها تقضي عدتها فيه ، مع ما يجب عليها من الإحداد وترك الزينة ، ولها أن تخرج نهارا أو جزءا من الليل إن كانت لها حاجة أو ضرورة ، من عمل، أو تداو ، أو قضاء مصلحة.
وذلك لأن القرآن، وإن حدد عدة المتوفى عنها زوجها ، في قوله:” أربعة أشهر وعشرا”، فإن السنة النبوية، أوجبت الإحداد على الزوج، والبقاء في سكناه هذه المدة .
ولا يمكن الأخذ هنا، بتقديم الكتاب على السنة، لعدم التعارض ، كما أنه يجوز لها الخروج للحاجة .
أما الاعتداد في أي مكان ، فإن فيه تفويتا لبعض حق الزوج المتوفى ، و جرحا لمشاعر أهله وعشيرته ، إلا إذا كان هناك ما يمنع من الاعتداد في بيته، من كون البيت كان مؤجرا، وانتهت الإجارة، أو كان مكانا موحشا تخشى على نفسها فيه، أو ما شابه ذلك .