يقول فضيلة الدكتور حسام عفانة ـ بتصرف أستاذ الفقه وأصوله بجامعة القدس بفلسطين- :
لقد كثُر الكلام حول قضية الزواج المبكر وكثر اللغط حول تأخير سن الزواج في هذه الأيام وأقدم قبل الجواب عن السؤال كلاماً موجزاً حول الزواج المبكر وأذكر بعض النصوص الشرعية التي تحض على الزواج :

-قال تعالى :( وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ ) سورة النور 32 .

-وقال تعالى:(فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ ) سورة النساء الآية 3 .

-وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج،ر ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء ) رواه البخاري .

-وقال صلى الله عليه وسلم:(وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني) رواه البخاري.

-وقال صلى الله عليه وسلم:(الدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة ) رواه مسلم.

ويجب أن يعلم أن الشريعة الإسلامية لم تحدد سناً معيناً بالسنوات لعقد الزواج، بل أجاز جمهور الفقهاء المتقدمين زواج الصغير والصغيرة أي: دون البلوغ.

إن المعنى الحقيقي للزواج المبكر من الناحية الطبية والعلمية هو الزواج قبل البلوغ، فبالنسبة للفتاة الزواج المبكر هو زواجها قبل الحيض .

وأما تسمية من تتزوج قبل الثامنة عشرة بأنه زواج مبكر فهذا لا يستند إلى قاعدة علمية أو قاعدة شرعية، فأمر الزواج مربوط بالبلوغ، والبلوغ عند الفتاة هو الفترة الزمنية التي تتحول فيها الفتاة من طفلة إلى بالغة، وعندها تصبح الفتاة بالغة .

وأما سن البلوغ فيتراوح عالمياً ما بين 9-16 سنة، وفي بلادنا ما بين 11-12 سنة حسب دراسة علمية صادرة عن الجامعة الأردنية .

ويقال لمعارضي الزواج المبكر ما يلي :
إن قانون الأحوال الشخصية قد منع زواج الصغار أخذاً بالرأي الفقهي الذي يمنع ذلك واشترط بلوغ الزوجة خمسة عشرة عاماً، وأما الزوج فستة عشرة عام، أو هذا السن بالنسبة للرجل والمرأة هو سن يكون كل منهما قد بلغ، ويدخل سن الأهلية والتكليف ، والدعوة إلى تأخير الزواج هو انتقاص لأهلية الرجل والمرأة، وحجر على حريتهما التي تتبجح هذه المراكز بالمناداة بها .

وقد ثبت عند المحققين من أهل العلم أن عائشة رضي الله عنها لما تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت ابنة تسع سنين، ولم ينقل خلاف ذلك فيما اطلعت عليه من المصادر ، فقد روى البخاري في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها قالت :( تزوجني النبي صلى الله عليه وسلم – أي عقد عليّ – وأنا بنت ست سنين فقدمنا المدينة فنزلنا في بني الحارث بن خزرج فوعكت فتمزق شعري فأتتني أمي أم رومان، وإني لفي أرجوحة، ومعي صواحب لي فصرخت بي ،فأتيتها لا أدري ما تريد بي فأخذت بيدي حتى أوقفتني على باب الدار، وإني لأنهج حتى سكن بعض نفسي ثم أخذت شيئاً من ماء فمسحت به وجهي ورأسي، ثم أدخلتني الدار، فإذا نسوة من الأنصار في البيت، فقلن على الخير والبركة، وعلى خير طائر، فأسلمتني إليهن، فأصلحن من شأني، فلم يرعني إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحى، فأسلمتني إليه وأنا يومئذ بنت تسع سنين )
وفي حديث آخر روى البخاري عن عروة قال :( توفيت خديجة قبل مخرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة بثلاث سنين فلبث سنتين أو قريباً من ذلك، ونكح عائشة وهي بنت ست سني،ن ثم بنى بها وهي بنت تسع سنين ).
وذكر الإمام النووي في ترجمة عائشة :[ أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها وهي بنت ست سنين، ودخل بها وهي بنت تسع ].
وذكر الحافظ ابن حجر في ترجمة عائشة أن قد ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها وهي بنت ست، وقيل: سبع ودخل بها وهي بنت تسع، وكان دخوله بها في شوال في السنة الأولى، ثم ذكر الحافظ ابن حجر ما ثبت في الصحيح من رواية الأسود عن عائشة قال :( تزوجني الرسول صلى الله عليه وسلم وأنا بنت ست سنين، وبنى بي وأنا بنت تسع، وقبض وأنا بنت ثمان عشرة سنة ). ومثل ذلك ذكر الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية ومثله ذكر الإمام الذهبي في سير أعلام النبلاء .

وختاماً فإني أقول: إنه لا يجوز شرعاً سن قانون يحظر الزواج قبل الثامنة عشرة لما يترتب على ذلك من مفاسد كثيرة .

ومع أنني من أنصار التبكير في الزواج وأحث على ذلك، ولكنني أرى أنه ينبغي أن يكون الزوجان قد أتما المرحلة الجامعية الأولى، وهذا لا يعني منع حالات الزواج في أقل من ذلك .