الاستعانة بالجن لمعرفة ماضي المخطوبة لا يجوز شرعا؛ لأنه نوع من تتبع عورات الناس، وهو منهي عنه، كما أن في معرفة ماضي المرأة عن طريق الجن عرضة لأن يأخذ الإنسان معلومات كاذبة من الجن، فيتهم الناس بالظن، فيقع في تتبع العورات، والاتهام بالظن بما في ذلك من ظلم للغير.
و لتفصيل المسألة، فالسؤال له شقان:
الأول: السؤال عن ماضي الفتاة.
الثاني: الاستعانة بالجن في معرفة الغيب.
أما عن الأول ، فإنه يجوز للخاطب أن يسأل عن الفتاة التي يريد خطبتها، فيسأل عن حالها وسلوكها ،ولكنه لا يجوز له أن يتتبع ماضيها ،ولو كان فيه خروج عن بعض ما أمر الشرع؛ لأنه نوع من تتبع العورات ، وقد نهانا الله تعالى عن ذلك على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم ، فقد أخرج الإمام أبو داود في سننه عن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :” إنك إن اتبعت عورات الناس أفسدتهم أو كدت تفسدهم.

بل وصل الأمر بعمر بن الخطاب رضي الله عنه ،وكان وقتئذ أمير المؤمنين أنه سمع أن خارجة بن حذافة من أهل مصر بنى غرفة ليطلع بها على عورات الناس ، فأرسل عمر إلى عمرو بن العاص يقول له:
” سلام، أما بعد فإنه بلغني أن خارجة بن حذافة بنى غرفة، ولقد أراد خارجة أن يطلع على عورات جيرانه، فإذا أتاك كتابي هذا فاهدمها إن شاء الله – والسلام. رواه ابن عبد الحكم.

وقد قال الإمام البخاري في معنى قوله تعالى: (ولاتجسسوا) من التجسس، وهو تتبع عورات الناس والبحث عنها.أ.هـ
ولكن له أن يعرف استقامة حالها، وحسن خلقها، وتصرفها مع أهلها وجيرانها وأقاربها وزميلاتها، وأن يعرف عموميات حياتها من خلال بعض صديقاتها من أقاربه، أو ممن يثق فيهن من النساء، دون تتبع لعوراتها وأخطائها، وذلك أن لكل إنسان أخطاء يقع فيها، ولو فتش في نفسه، لعلم من نفسه ما بها، غير أنه لا يرضى أن يعرف الناس ذلك.

وفي إخفاء ما وقع الإنسان فيه من خطأ، جاء قول الله تعالى “لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم” ،وما جاء من الأحاديث التي تدل على الستر، ومن ذلك قوله صل الله عليه وسلم “ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة”.
والشيء الهام في معرفة ماضي المرأة وعلاقتها بغير زوجها يظهر من خلال بكارتها، وليس للخاطب أن يعرف ماضي مخطوبته، ولا على المخطوبة أن تعرفه ذلك ،وإن أقسم عليها، فلها أن توري وألا تخبره بالحقيقة، إذ كيف تكشف ستر الله تعالى عليها ؟!

أما عن الثاني:وهو الاستعانة بالجن لمعرفة ما غاب عن الناس، ففيه أمران:
1-الاستعانة بهم في شيء جائز شرعا.
2- الاستعانة بهم في شيء لا يجوز شرعا.

ولا خلاف حول عدم جواز الاستعانة بالجن فيما ينهى عنه شرعا ، ومن ذلك معرفة ماضي المخطوبة وما كان لها من علاقات بعد أن تابت إلى الله تعالى، أما إن لم تكن قد تابت، فإنه سيعرف عنها ذلك في الأغلب، وليس الأمر في حاجة إلى جن أو غيره.
وأما عن الاستعانة بهم في شيء جائز شرعا، فإنه ليس هناك من الشرع ما يحرم الاستعانة بهم في حالات الجواز ،وإن كان السحرة يستعينون بالجن الكافر فيما يؤذي المؤمنين، (وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله)، فإنه ليس هناك من الأدلة الشرعية ما يحرم الاستعانة بالجن المؤمن في أفعال الخير والبر، وهذا ما جنح إليه الإمام ابن تيمية رحمه الله.

ولكن الجن يعتبر بالنسبة للناس غيبا ، فكيف يعرف الإنسان أنه يتعامل مع جن مسلم أو جن صالح ، وقد يكذب الجن على الإنسان، فكان من باب سد الذرائع ألا يتعامل المسلم مع الجن، وأن يعيش واقعه، وأن يأخذ بالأسباب مع الاستعانة بالله تعالى.
وقد خلق الله تعالى الإنس عالما، والجن عالما آخر، وإن كان الناس يستعينون بالجن فيما غاب عن بعض الناس، ويعرفه غيرهم ، فما الداعي للالتجاء إلى الجن للمعرفة؟! ولماذا لا يستعين الجن بالإنس أيضا فيما يخصهم من أمور؟
إن في إحداث علاقة بين الإنس والجن بنوع من التعامل فيما بين الفريقين خرق لسنة الكون، وهو أمر لم يألفه السلف، وما أقره الخلف، ومن الخير تركه.
كما أنه هروب من الواقع، والإغراق في الغيب بغير حق وترك الأخذ بقانون السببية، وهو مما بني عليه كثير من الأمور في حياة الناس، كما قضت سنة الله في الكون.