لا عبرة ولا أثر لما تراه الفتاة في أحلامها المزعجة على حكم النكاح.

والنكاح يأخذ الأحكام الخمسة باختلاف الأشخاص والزمان والمكان، فقد يكون واجبا أو مندوبا أو مباحا أو مكروها أو محرما، وهو في معظم الحالات يكون سنة مؤكدة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وما يراه النائم سواء كان رؤيا أو حلما لا يعتبر مصدرا من مصادر التشريع، وعلى الفتاة إن تقدم لها أحد أن تستخير الله سبحانه وتعالى، وتستشير والديها ومن تراه أيضا مناسبا للإستشارة وتتوكل على الله ولا تلتفت للكوابيس المزعجة.

فالإسلام دين واقعي، ولكنه ليس واقعيا بحتا، فهو واقعي رباني، يأمر الناس في أمور معاشهم أن يعتمدوا على العقل والخبرة، وأن يسألوا أهل الذكر فيما لا يتعلق بالتشريع، مع الاستعانة بالله تعالى، التوكل عليه، وطلب التيسير منه، ودعاء الله تعالى مطلوب في كل أمر، ومع كون أنبياء الله تعالى كانوا في معية الله تعالى، إلا أنهم كانوا دائمي الذكر والدعاء لله تعالى، نجد ذلك في القرآن الكريم، كما حكى الله تعالى على لسان موسى عليه السلام “قَالَ (رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي) سورة طه 25 – 30
ونبي الله موسى يقول هذا، وهو ينفذ أمر الله ، من دعوته فرعون إلى الله تعالى، وترك الألوهية المزيفة، وأن يوقن حقيقة أمره من كونه عبدا لله .

وقد شرع الإسلام في كثير من أمور الإنسان أن يلجأ إلى الاستخارة ، وهي طلب الخير من الله تعالى، ولكن الإسلام لم يجعل الاستخارة وحدها هي السبيل الوحيد لمعرفة كون الزواج من فلان مثلا خيرا أم شرا ، بل طلب مع الاستخارة استشارة أولي الألباب والذكر، وأصحاب الخبرة في الحياة ، والعارفين بمن تقدم للزواج. وفي حديث الطبراني وحسنه السيوطي ” ما خاب من استخار، ولا ندم من استشار، ولا عال من اقتصد “.

كما وضع الإسلام شروطا لمعرفة الزوج والزوجة الصالحة ، فإن أخذت الفتاة بالأسباب ، وسأل وليها عن المتقدم ، وعن أخلاقه وسلوكه ونمط حياته ، ورأى فيه صلاحا ، وقدرة على احترام الحياة الزوجية ، مع الاستخارة ، وشعرت الفتاة والأهل أن هناك تيسيرا ، فليتوكلوا على الله ، وليعلموا أن هذه بشائر خير في موضوع الزواج .

أما كون الفتاة ترى كوابيس مخيفة، تزعجها ، وتقلق راحتها ، أو أنها رأت من يخيفها من موضوع الزواج، فلا عبرة بهذا ، لأنه لو كان ما رأت الفتاة شيئا من عند الله ، لما أتى على الصورة القبيحة المؤذية.

وكما جاء في الحديث ” الرؤيا من الله ، والحلم من الشيطان” ، فكما يرى المسلم رؤيا خير، فهو قد يرى حلما من الشيطان ، فلا يلتفت إليه ، و لا يكون عائقا له في تسيير حياته ، واتخاذ قرار يخص شيئا هاما فيما يخصه .

والتصرف المطلوب في مثل هذه الحالات ، هو ما أخرجه الترمذي عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:” إذا رأى أحدكم الرؤيا الحسنة فليفسرها، وليخبر بها، وإذا رأى الرؤيا القبيحة فلا يفسرها، ولا يخبر بها ”

وأخرج الإمام مسلم وأبو داود وابن ماجة عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:” إذا رأى أحدكم الرؤيا يكرهها فليبصق عن يساره ثلاثا وليستعذ بالله من الشيطان ثلاثا، وليتحول عن جنبه الذي كان عليه .

كما أنه لم يرد في الشرع ربط لازم بين الاستخارة والرؤيا .

يقول الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي-رحمه الله تعالى- أستاذ الشريعة بالجامعات السورية :
لا علاقة لصلاة الاستخارة برؤية المنامات‏.‏ بل هي مجرد صلاة ثم دعاء مأثور عن رسول الله‏.‏ وليتابع بعد ذلك العمل على مشروعه الذي استخار الله له‏.‏ فإن كان خيراً يسّر الله له بلوغه‏،‏ وإن لم يكن خيراً صرفه الله عنه‏.‏أ.هـ

ومع كون الرؤيا من بقايا النبوة إلى يوم القيامة، إلا أنها ليست بالأمر اللازم ، بل الأصل أن ينظر الإنسان إلى الواقع المعاش ، وأن يأخذ بالأسباب ، لأن هذه سنة الله تعالى في الكون ، وليتوكل على الله تعالى .

يضاف إلى هذا أنه لابد من التفرقة بين الرؤيا الصالحة التي يرى الإنسان فيها خير له ، أو تحذير من شر بشيء من الاطمئنان والسكينة ، وبين الحلم الذي هو من الشيطان، وما يحمله من شر وسوء لبني الإنسان، فليس كل ما يراه الإنسان في منامه شيئا صالحا نافعا له .