خلاصة ما قاله فضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي أن ما يجوز للمرأة أن تبديه هو الوجه والكفان ، ويستتبع ذلك ظهور الخاتم في اليد ، والكحل في العينين ، ولكن الأولى أن تستر المرأة كل ما يظهر جمالها ، وخاصة إن كانت جميلة يفتتن بها، أما وضع الأصباغ والمساحيق واطلاع الأجانب عليها ، فلا يجوز.

و هذا نص ما قاله فضيلة الشيخ يوسف القرضاوي :
زينة المرأة: كل ما يزينها ويجملها، سواء أكانت زينة خلقية كالوجه والشعر ومحاسن الجسم، أم مكتسبة كالثياب والحلي والأصباغ ونحوها. وفي هذه الآية الكريمة أمر الله النساء بإخفاء زينتهن، ونهاهن عن إبدائها، ولم يستثن (إلا ما ظهر منها).
وقد اختلف العلماء في تحديد معنى (ما ظهر منها) وقدره؛ أيكون معناه: ما ظهر بحكم الضرورة من غير قصد كأن كشفته الريح مثلا، أو يكون معناه: ما جرت به العادة والجبلة على ظهوره والأصل فيه الظهور؟
إن المأثور عن أكثر السلف يدل على الرأي الثاني.
فقد اشتهر عن ابن عباس أنه قال في تفسير (ما ظهر منها) الكحل والخاتم، وروي مثله عن أنس.
وإباحة الكحل والخاتم يلزم منها إظهار موضعيهما كذلك وهما الوجه والكفان. وهذا ما جاء صراحة عن سعيد بن جبير وعطاء والأوزاعي وغيرهم.
وعن عائشة وقتادة وغيرهما إضافة السوارين إلى ما ظهر من الزينة. وهذا يعني استثناء بعض الذارع من الزينة المنهي عن إبدائها، واختلف في تحديده من قدر قبضة إلى نصف الذارع.
وبإزاء هذا التوسع ضيق آخرون كعبد الله بن مسعود والنخعي، ففسروا ما ظهر من الزينة بالرداء ونحوه من الثياب الظاهرة. وهي التي لا يمكن إخفاؤها.

والذي أرجحه أن يقصر (ما ظهر منها) على الوجه والكفين وما يعتاد لهما من الزينة المعقولة بلا غلو ولا إسراف كالخاتم لليد والكحل للعين كما صرح به جماعة من الصحابة والتابعين.
وهذا بخلاف الأصباغ والمساحيق التي تستعملها المرأة في عصرنا للخدين والشفتين والأظافر ونحوها، فإنها من الغلو المستنكر، والذي لا يجوز أن يستعمل إلا داخل البيت. أما ما عليه النساء اليوم من اتخاذ هذه الزينة عند الخروج من البيت لجذب انتباه الرجال فهو حرام. وأما تفسير (ما ظهر منها) بالثياب والرداء الخارجي فغير مقبول؛ لأنه أمر طبيعي لا يتصور النهي عنه حتى يستثنى، ومثل ذلك تفسيرها بما كشفته الريح ونحوه من أحوال الضرورة؛ لأن هذا مما لا حيلة فيه، سواء استثنى أم لم يستثن. والذي يتبادر إلى الذهن من الاستثناء أنه رخصة وتخفيف للمرأة المؤمنة في إبداء شيء يمكن إخفاؤه، ومعقول أن يكون هو الوجه والكفين.
وإنما سومح في الوجه والكفين، لأن سترهما فيه حرج على المرأة، وخاصة إذا كانت تحتاج إلى الخروج المشروع، كأرملة تسعى على أولادها، أو فقيرة تعمل في مساعدة زوجها، فإن فرض النقاب عليها، وتكليفها تغطية كفيها في كل ذلك مما يعوقها، ويشق عليها.
قال القرطبي: لما كان الغالب من الوجه والكفين ظهورهما عادة وعبادة وذلك في الصلاة والحج، صلح أن يكون الاستثناء راجعا إليها. يدل على ذلك ما رواه أبو داود عن عائشة رضي الله عنها أن أسماء بنت أبي بكر دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم -وعليها ثياب رقاق- فإعرض عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال لها: “يا أسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يرى منها إلا هذا وهذا”.وأشار إلى وجهه وكفيه.
وفي قوله تعالى: (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم) ما يشير إلى أن وجوه النساء لم تكن مغطاة، ولو كانت المرأة مستورة الجسم والوجه جميعا، ما كان هناك مجال للأمر بالغض من الأبصار، إذ ليس ثمة ما يبصر حتى يغض عنه.
ومع هذا فالأكمل للمرأة المسلمة أن تجتهد في إخفاء زينتها، حتى الوجه نفسه ما استطاعت، وذلك لانتشار الفساد، وكثرة الفسوق في عصرنا، ويتأكد ذلك إذا كانت جميلة يخشى الافتتان بها.

وقد قال الله تعالى : (ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن) سورة النور:31.
وهذا توجيه يتضمن نهي النساء المؤمنات عن كشف الزينة الخفية -كزينة الأذن والشعر والعنق والصدر والساق- أمام الرجال الأجانب الذين رخص لها أمامهم في إبداء الوجه والكفين (ما ظهر منها).
وقد استثنى من هذا النهي اثنا عشر صنفا من الناس:
1. بعولتهن: أي أزواجهن، فللرجل أن يرى من زوجته ما يشاء، وكذلك المرأة. وفي الحديث: “احفظ عورتك إلا من زوجتك”.
2. آباؤهن، ويدخل فيهم الأجداد من قبل الأب والأم.
3. آباء أزواجهن، فقد أصبح لهم حكم الآباء بالنسبة إليهن.
4. أبناؤهن، ومثلهم أبناء ذريتهن من الذكور والإناث.
5. أبناء أزواجهن، لضرورة الاختلاط الحاصل، ولأنها بمنزلة أمهم في البيت.
6. إخوانهن، سواء أكانوا أشقاء أو من الأب أو من الأم.
7. بنو إخوانهن، لما بين الرجل وعمته من حرمة أبدية.
8. بنو أخواتهن، لما بين الرجل وخالته من حرمة أبدية.
9. نساؤهن: أي النساء المتصلات بهن نسبا أو دينا. أما المرأة غير المسلمة فلا يجوز لها أن ترى من زينة المسلمة إلا ما يراه الرجل -على الصحيح-.
10. ما ملكت أيمانهن: أي عبيدهن وجواريهن لأن الإسلام جعلهم كأعضاء في الأسرة. وخصه بعض الأئمة بالإماء دون الذكور.
11. التابعون غير أولي الإربة من الرجال، وهم الأجراء والأتباع الذين لا شهوة لهم في النساء لسبب بدني أو عقلي. المهم أن يتوافر هذان الوصفان: التبعية للبيت الذي يدخلون على نسائه، وفقدان الشهوة الجنسية.
12. الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء. وهم الصغار الذين لم يثر في أنفسهم الشعور الجنسي، فإذا لوحظ عليهم ظهور هذا الشعور لم يبح للمرأة أن تبدي أمامهم زينتها الخفية -وإن كانوا دون البلوغ-.
ولم تذكر الآية الأعمام والأخوال لأنهم بمنزلة الآباء عرفا. وفي الحديث “عم الرجل صنو أبيه”.