اختلف العلماء في حكم صلاة المأمومين بين الأعمدة، فمن العلماء من كره ذلك، ومنهم من أجازه، واتفق الجميع على الجواز إذا اقتضت الحاجة ذلك كضيق المسجد، أو كثرة الأعمدة في المسجد.

يقول الدكتور حسام الدين عفانه أستاذ الفقه وأصوله بجامعة القدس:-

وردت بعض الأحاديث التي تدل على كراهية الصف بين السواري فمن ذلك :-

-ما رواه الترمذي بإسناده عن عبد الحميد بن محمود قال :( صلينا خلف أمير من الأمراء فاضطرنا الناس فصلينا بين الساريتين ،فلما صلينا قال أنس بن مالك : كنا نتقي هذا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ).

وفي الباب عن قرة بن إياس المزني . قال أبو عيسى : حديث أنس حديث حسن صحيح .

وقد كره قوم من أهل العلم أن يصف بين السواري . وبه يقول أحمد وإسحق . وقد رخص قوم من أهل العلم في ذلك ]انتهى من سنن الترمذي مع شرحه تحفة الأحوذي .

-وعن معاوية بن قرة عن أبيه قال :[ كنا ننهى أن نصف بين السواري على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ونطرد عنها طرداً ] رواه ابن ماجة وابن خزيمة والحاكم وصححه ووافقه الذهبي .

وقد أخذ العلماء من هذه الأحاديث كراهية الصف بين السواري لغير حاجة من ضيق ونحوه .
وكراهية الصف بين السواري لا تعني بطلان الصلاة وعدم صحتها بل الصلاة صحيحه مع الكراهة .

وأما إن كان هنالك حاجة للمصلين أن يصفوا بين السواري نظراً لضيق المسجد وكثرة المصلين، أو لأن ترك الصف بين السواري سيؤدي إلى عدم اتصال الصفوف كما هو الحال في المسجد الأقصى فلا كراهة في الصف بين السواري، قال الإمام مالك :[ لا بأس بالصفوف بين الأساطين إذا ضاق المسجد ] .

وقال الحافظ ابن حجر :[ قال المحب الطبري كره قوم الصف بين السواري للنهي الوارد عن ذلك، ومحل الكراهة عند عدم الضيق ] .

وقد نقل عن جماعة من أهل العلم جواز الصلاة بين السواري ، ومن ذلك :-

ما رواه ابن أبي شيبة بإسناده عن محمد بن سيرين قال :[ لا أعلم بالصلاة بين السواري بأساً ] .

وروى بإسناده أن سعيد بن جبير كان يؤمهم بين ساريتين. انتهى من مصنف ابن أبي شيبة .

وكذلك رخص جماعة من الفقهاء في الصلاة بين السواري فقد ورد عن الإمام أحمد أنه لا يكره ذلك ،ورخص فيه ابن سيرين ومالك والشافعي، وأصحاب الرأي، وابن المنذر . انظر غاية المرام شرح مغني ذوي الأفهام .

وكلام هذه الطائفة من أهل العلم يمكن حمله على أن عدم الكراهة يكون في حال عدم الحاجة :[ ويكره ذلك بلا حاجة فإن كان ثم حاجة كضيق المسجد وكثرة الجماعة لم يكره ] .

ومما يؤكد لنا هذا المعنى أنه قد ورد في رواية حديث عبد الحميد عند ابن حبان :[ وهو الحديث الأول المذكور سابقاً ] قال : صليت إلى جنب أنس بن مالك بين السواري … إلخ . فهذا أنس رضي الله عنه قد صلى بين السواري، ولو كانت الصلاة بين السواري باطلة لما صلى أنس رضي الله عنه .

وبناء على ما تقدم فلا ينبغي لأحد أن يتجرأ على إبطال صلاة أي أحد بدون دليل صحيح ،فليس كل نهي وارد في الشرع يدل على التحريم، فإن كثيراً من النواهي الشرعية تدل على الكراهة التنزيهية .

وكذلك فليس كل نهي وارد في الشرع يدل على البطلان والفساد .

وخلاصة الأمر أن الصلاة بين السواري في المسجد الأقصى صحيحة؛ لأن بناء المسجد الأقصى قائم على عدد كبير من السواري ولا يمكن للصفوف أن تتم بدون الوقوف بين السواري .

ولا ينبغي لأحد أن يتشدد في هذه المسألة وأمثالها مما يؤدي إلى حدوث بلبلة بين المصلين وإلى تشكيك الناس في صحة صلاتهم .