إذا كان رَجُلٌ مريضٌ إنْ ذهب إلى المسجدِ لم يستطعْ القيامَ؛ لأنه يصِلُ إلى المسجدِ وهو متعبٌ، وإن صلَّى في بيته صلَّى قائماً؛ لأنه لم يتعبْ ولم تحصُلْ له مشقَّةٌ. وأيضاً: ربَّما يطوِّلُ الإِمامُ تطويلاً يشقُّ عليه، وفي بيته يصلِّي كما شاء، فهل يذهب إلى المسجد، أم يصلي في البيت.

اختلف العلماء في ذلك على ثلاثة أقوال:-
القول الأول: يصلي في بيته؛ لأن القيام ركن لا خلاف فيه.
القول الثاني: يفعل ما يشاء، فكلاهما جائز بلا تفاضل بينهما.
القول الثالث: يذهب إلى المسجد حتى لو لم يستطع القيام، وهو ما مال إليه فضيلة الشيخ ابن عثيمين.

حيث يقول فضيلته- رحمه الله:-
للعلماء في هذه المسألة ثلاثة أقوال:-

فمِن العلماءِ مَن قال: إنه يُخيَّر لتعارض الواجبين، واجب الجماعة، وواجب القيام وليس أحدهما أولى بالترجيح مِن الآخر.
ومنهم مَن قال: يقدِّم القيامَ، فيصلِّي في بيتِه قائماً؛ لأنَّ القيامَ رُكْنٌ بالاتفاقِ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «صَلِّ قائماً» ، وصلاةُ الجماعةِ أقلُّ وجوباً لما يلي:-

أولاً: وجود الخِلاف في وجوبها.
ثانياً: فإذا وجبت هل هي فرضُ كِفاية، أو فرضُ عين.
ثالثاً: إذا كانت فرضَ عينٍ، فهل هي واجبةٌ في الصلاةِ بحيث تبطل الصَّلاةُ بتركها بلا عُذر، أو واجبة للصَّلاةِ تصحُّ الصلاةُ بدونها مع الإِثم.

ومنهم مَن قال: يجب أن يحضر إلى المسجدِ، ثم يصلِّي قائماً إن استطاعَ، وإلا صَلَّى جالساً؛ لأنَّه مأمورٌ بإجابة النِّداء، والنِّداءُ سابقٌ على الصَّلاةِ فيأتي بالسَّابق فإذا وَصَلَ إلى المسجدِ، فإن قَدِرَ صَلَّى قائماً وإلا فلا، وأيضاً: ربَّما يَظنُّ أنه إذا ذهبَ إلى المسجدِ لا يستطيعُ القيامَ، ثم يمدُّه الله بنشاطٍ ويستطيعُ القيامَ.

والذي يرجح هو أنَّه يجب عليه حضورُ المسجد، ويدلُّ لذلك حديث ابن مسعود الثابت في «صحيح مسلم»: «وكان الرَّجُلُ يُؤتى به يُهادى بين الرَّجلينِ حتى يُقامَ في الصَّفِّ» ومثل هذا في الغالب لا يقدِرُ على القيام وحدَه، فيجب أن يحضرَ إلى المسجدِ، ثم إن قَدِرَ على القيام فذاك، وإنْ لم يقدِرْ فقد قال الله تعالى: { فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ } [التغابن: 16] .