إننا لسنا أحرص على إقامة ديننا اليوم من سلف هذه الأمة المحمدية وفقهائها الأولِين، فحيث تَختِلف اجتهاداتهم وآراؤهم العلمية في فهْم نصوص الشريعة، فلنا أن نأخُذ في حياتنا وتطبيقات شريعتنا بما نختار من آرائهم ومذاهبهم بعد أن يكونوا من أهل الاجتهاد، لأنَّ كلاًّ منهم يُمكِن أن يكون رأيه هو الصواب في فهْم النص. ومن هنا كان اختلافهم رحمة، لأنه يَفتَح للأمة أبوابًا في تطبيق الشريعة في حياتهم بحيث يُتاح لكل قومٍ أو بيئة إسلامية أن تأخُذ بما هو أيسر عليها، أو ربما هي أحْوج إليه، أو بما هو أكثر ملائمة لظروفها.
فالمسلم في الغرب في ظرْف استثنائي من حياته، فقد يكون في ظرف الدراسة في بلاد أجنبية، وفي المذاهب الفقهية من يَرى جواز أكل المسلم من لحوم أهل الكتاب ما اعتادوا إماتته من الحيوان المأكول اللحم في الشرع الإسلامي، دون نظر إلى طريقتهم في إماتته، بعد أن تكون هي الطريقة التي يُميتون بها الحيوان لأجل أكله، ولو أنها طريقة غير مقبولة من المسلم كالوَقْذ (وهو الضرب على الرأس) وكالخَنْق. والأدلة الشرعية مبسوطة في المراجع المُطَوَّلة التي لا وصول للعامي لها، ولكنها ملخصة في كتاب “الحلال والحرام” للأستاذ الدكتور يوسف القرضاوي.
فيا أيها المسلم إنَّ الله تعالى قد يسَّر علينا هذا الدين الكريم، وجَعَله سمْحًا، ومَنَعنا من التزمُّت والتشدد فيه. ومن المقرر عند علماء الشريعة أنَّ الله تعالى يُحِبُّ أن تُؤتَى رُخَصه كما يُحِب أنْ تُؤتَى عزائمه. ومن الرُّخَص الآراء الفقهية المبُيحة عند اختلاف الاجتهادات المُعتَبرة.
فالذي نستطيع أنْ ننصَحَ به كل مسلم ، ونأمُل أن يقتَنع ويتقبَّله هو ما يلي:
1 – الأكل من لحومهم (غير الخنزير) كُلْ ما يُمِيتونه بطريقتهم المعتادة لأجل أكْلِه، ولو كانت طريقتهم في ذلك مخالفة للطريقة الإسلامية، وذلك كلما وَجَد نفسه في حاجة إلى اللحوم الحمراء أو الدجاج وسائر الطيور.
وليجْتنِبْ فقط ما يأتي من البلاد الشيوعية؛ لأنهم لم يبقوا أهل الكتاب بسبب أنهم ملاحدة.
2 – ليسْتَعِضْ المسلم على قَدْر الإمكان بلحم السمك، فإنه لا تَسرِي عليه أحكام التذكية (الذَّبْح) وطريقته، بل للمسلم أكْله حتى من المُشرك لا مِن أهل الكتاب فقط، وفي السمك فُرْجة عظيمة، ولا سيما الطون والسردين.
3 – الإستعانة أيضًا بالبيض، فإنه مباح للمسلم من أي يَدٍ كان حتى من المُشْرك، والبيض غذاء كامل قوي.
4 – ومن لم يشأ فعليه بلحم اليهود فإنهم يذبحونه بطريقة متفقة مع حكم الإسلام، ولا يأكلون إلا من ذبائح حاخاميهم بطريقتهم، وهناك مراكز لهم في اللحم معروفة.
5 –  يمكن الإكثار أيضًا من الاعتماد في الغذاء على اللبن الحليب أو الخاثر الرائب فإنه غذاء كامل، ففيما بينه وبين البيض والسمك يقِيم أَوَده على أكْمل وجْه وأيْسره.
هذا ما نستطيع قوله، وفيه فُسْحة بل فُسَحات، فلا يشدِّد المسلم على نفسه بما لم يشَدِّد به الله تعالى عليه، وقد قال لنا الرسول ـ صلى الله عليه وسلم: “لن يُشاد الدِّين أحدٌ إلا غَلبه” أي: إنَّ كل مُتشدد سيكُون مغلوبًا في النهاية ومُضطرًا لأن يَترك تَشدُّده وإلا عَجَز، فلْيَقبل رُخَص الشريعة واعتدالها وسماحتها.