الاستسقاء:

جاء في الموسوعة الفقهية:- الاستسقاء لغة: طلب السقيا، أي طلب إنزال الغيث على البلاد والعباد. والاسم: السقيا بالضم, واستسقيت فلانا: إذا طلبت منه أن يسقيك. والمعنى الاصطلاحي للاستسقاء هو: طلب إنزال المطر من الله بكيفية مخصوصة عند الحاجة إليه . صفته ( حكمه التكليفي ): – قال الشافعية, والحنابلة, ومحمد بن الحسن من الحنفية: الاستسقاء سنة مؤكدة, سواء أكان بالدعاء والصلاة أم بالدعاء فقط, فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته والمسلمون من بعدهم . – وأما أبو حنيفة فقال بسنية الدعاء فقط, وبجواز غيره . وعند المالكية تعتريه الأحكام الثلاثة التالية: الأول: سنة مؤكدة, إذا كان للمحل والجدب, أو للحاجة إلى الشرب لشفاههم, أو لدوابهم ومواشيهم, سواء أكانوا في حضر, أم سفر في صحراء, أو سفينة في بحر مالح. الثاني: مندوب, وهو الاستسقاء ممن كان في خصب لمن كان في محل وجدب; لأنه من التعاون على البر والتقوى. ولما روى ابن ماجه { ترى المؤمنين في تراحمهم وتوادهم وتعاطفهم كمثل الجسد, إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر جسده بالسهر والحمى } . وصح: { دعوة المرء المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابة, عند رأسه ملك موكل كلما دعا لأخيه بخير قال الملك الموكل به: آمين ولك بمثل . } ولكن الأوزاعي والشافعية قيدوه بألا يكون الغير صاحب بدعة أو ضلالة وبغي . وإلا لم يستحب زجرا وتأديبا; ولأن العامة تظن بالاستسقاء لهم حسن طريقهم والرضى بها, وفيها من المفاسد ما فيها . مع أنهم قالوا: لو احتاجت طائفة من أهل الذمة وسألوا المسلمين الاستسقاء لهم فهل ينبغي إجابتهم أم لا؟ الأقرب : الاستسقاء لهم وفاء بذمتهم . ثم عللوا ذلك بقولهم: ولا يتوهم مع ذلك أنا فعلناه لحسن حالهم; لأن كفرهم محقق معلوم . ولكن تحمل إحابتنا لهم على الرحمة بهم, من حيث كونهم من ذوي الروح, بخلاف الفسقة والمبتدعة. الثالث: مباح, وهو استسقاء من لم يكونوا في محل, ولا حاجة إلى الشرب, وقد أتاهم الغيث, ولكن لو اقتصروا عليه لكان دون السعة, فلهم أن يسألوا الله من فضله .

دليل مشروعية صلاة الاستسقاء: –

ثبتت مشروعيته بالنص والإجماع, أما النص فقوله تعالى: { فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا } . كما استدل له بعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفائه والمسلمين من بعده, فقد وردت الأحاديث الصحيحة في استسقائه صلى الله عليه وسلم . روى أنس رضي الله عنه: { أن الناس قد قحطوا في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل رجل من باب المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب . فقال: يا رسول الله هلكت المواشي, وخشينا الهلاك على أنفسنا, فادع الله أن يسقينا، فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه فقال: اللهم اسقنا غيثا مغيثا هنيئا مريئا غدقا مغدقا عاجلا غير رائث. قال الراوي: ما كان في السماء قزعة, فارتفعت السحاب من هنا ومن هنا حتى صارت ركاما, ثم مطرت سبعا من الجمعة إلى الجمعة . ثم دخل ذلك الرجل, والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب, والسماء تسكب, فقال: يا رسول الله تهدم البنيان, وانقطعت السبل, فادع الله أن يمسكه, فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم لملالة بني آدم . قال الراوي: والله ما نرى في السماء خضراء . ثم رفع يديه, فقال: اللهم حوالينا ولا علينا, اللهم على الآكام والظراب, وبطون الأودية, ومنابت الشجر . فانجابت السماء عن المدينة حتى صارت حولها كالإكليل } . واستدل أبو حنيفة بهذا الحديث وجعله أصلا , وقال: إن السنة في الاستسقاء هي الدعاء فقط, من غير صلاة ولا خروج . واستدل الجمهور بحديث عائشة رضي الله عنها قالت: { شكا الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قحوط المطر, فأمر بمنبر فوضع له في المصلى, ووعد الناس يوما يخرجون فيه, قالت عائشة: فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بدا حاجب الشمس, فقعد على المنبر, فكبر وحمد الله عز وجل ثم قال: إنكم شكوتم جدب دياركم, واستئخار المطر عن إبان زمانه عنكم, وقد أمركم الله عز وجل أن تدعوه, ووعدكم أن يستجيب لكم . ثم قال: الحمد لله رب العالمين, الرحمن الرحيم, مالك يوم الدين, لا إله إلا الله يفعل ما يريد, اللهم أنت الله لا إله إلا أنت, أنت الغني ونحن الفقراء , أنزل علينا الغيث , واجعل ما أنزلت لنا قوة وبلاغا إلى حين . ثم رفع يديه فلم يزل في الرفع حتى بدا بياض إبطيه , ثم حول إلى الناس ظهره , وقلب أو حول رداءه وهو رافع يديه , ثم أقبل على الناس , ونزل فصلى ركعتين , فأنشأ الله سحابة فرعدت وبرقت ثم أمطرت بإذن الله تعالى , فلم يأت مسجده حتى سالت السيول , فلما رأى سرعتهم إلى السكن ضحك حتى بدت نواجزه فقال : أشهد أن الله على كل شيء قدير , وأني عبد الله ورسوله } . وقد استسقى عمر رضي الله عنه بالعباس , وقال: اللهم إنا كنا إذا قحطنا توسلنا إليك بنبيك فتسقينا , وإنا نتوسل بعم نبيك فاسقنا فيسقون . وكذلك روي أن معاوية استسقى بيزيد بن الأسود . فقال : اللهم إنا نستسقي بخيرنا وأفضلنا , اللهم إنا نستسقي بيزيد بن الأسود , يا يزيد ارفع يديك إلى الله تعالى ” فرفع يديه , ورفع الناس أيديهم . فثارت سحابة من الغرب كأنها ترس , وهب لها ريح , فسقوا حتى كاد الناس ألا يبلغوا منازلهم .

حكمة مشروعية صلاة الاستسقاء :

إن الإنسان إذا نزلت به الكوارث، وأحدقت به المصائب فبعضها قد يستطيع إزالتها، وبعضها لا يستطيع بأي وسيلة من الوسائل ، ومن أكبر المصائب والكوارث الجدب المسبب عن انقطاع الغيث، الذي هو حياة كل ذي روح وغذاؤه، ولا يستطيع الإنسان إنزاله أو الاستعاضة عنه، وإنما يقدر على ذلك ويستطيعه رب العالمين فشرع الشارع الحكيم سبحانه الاستسقاء، طلبا للرحمة والإغاثة بإنزال المطر الذي هو حياة كل شيء ممن يملك ذلك, ويقدر عليه ، وهو الله جل جلاله . صفة صلاة الاستسقاء ( كيفيتها ): وجاء في المغني لابن قدامة: لا نعلم بين القائلين بصلاة الاستسقاء خلافا في أنها ركعتان, واختلفت الرواية في صفتها، فروي أنه يكبر فيهما كتكبير العيد سبعا في الأولى، وخمسا في الثانية . وهو قول سعيد بن المسيب, وعمر بن عبد العزيز ، وأبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم , وداود , والشافعي . وحكي عن ابن عباس; وذلك لقول ابن عباس في حديثه : وصلى ركعتين , كما كان يصلي في العيد . وروى جعفر بن محمد , عن أبيه { أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر , وعمر , كانوا يصلون صلاة الاستسقاء , يكبرون فيها سبعا وخمسا } . والرواية الثانية , أنه يصلي ركعتين كصلاة التطوع . وهو مذهب مالك, والأوزاعي , وأبي ثور , وإسحاق; لأن عبد الله بن زيد قال: استسقى النبي صلى الله عليه وسلم فصلى ركعتين , وقلب رداءه . متفق عليه . وروى أبو هريرة نحوه . ولم يذكر التكبير , وظاهره أنه لم يكبر , وكيفما فعل كان جائزا حسنا . وقال أبو حنيفة : لا تسن الصلاة للاستسقاء , ولا الخروج لها ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم { استسقى على المنبر يوم الجمعة , ولم يصل لها } , واستسقى عمر بالعباس ولم يصل . وليس هذا بشيء , فإنه قد ثبت بما رواه عبد الله بن زيد , وابن عباس , وأبو هريرة أنه خرج وصلى , وما ذكروه لا يعارض ما رووه , لأنه يجوز الدعاء بغير صلاة , وفعل النبي صلى الله عليه وسلم لما ذكروه لا يمنع فعل ما ذكرناه, بل قد فعل النبي صلى الله عليه وسلم الأمرين . قال ابن المنذر: ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى صلاة الاستسقاء, وخطب . وبه قال عوام أهل العلم إلا أبا حنيفة, وخالفه أبو يوسف, ومحمد بن الحسن, فوافقا سائر العلماء, والسنة يستغنى بها عن كل قول . الآيات التي تقرأ في صلاة الاستسقاء: ويسن أن يجهر بالقراءة; لما روى عبد الله بن زيد, قال: { خرج النبي صلى الله عليه وسلم يستسقي , فتوجه إلى القبلة يدعو , وحول رداءه , ثم صلى ركعتين , جهر فيهما بالقراءة } . متفق عليه . وإن قرأ فيهما ب { سبح اسم ربك الأعلى } , و { هل أتاك حديث الغاشية } فحسن لقول ابن عباس : صلى ركعتين , كما كان يصلي في العيد . وروى ابن قتيبة , في ” غريب الحديث ” , بإسناده عن أنس , { أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج للاستسقاء , فتقدم فصلى بهم ركعتين , يجهر فيهما بالقراءة , وكان يقرأ في العيدين والاستسقاء , في الركعة الأولى بفاتحة الكتاب , و ” سبح اسم ربك الأعلى ” وفي الركعة الثانية بفاتحة الكتاب , و ” هل أتاك حديث الغاشية ” } .