العمامة وهي غطاء الرأس يترك لكل جماعة ما يناسِبهم مُراعين في ذلك الأجواء والظروف المختلفة، ولا يلتزم لون ولا شكل معين، وكانت العمامة عادة العرب لوقايتهم من الحرِّ، وقد لبسها النبيُّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ كما اعتاد قومه، وأكثر ما ورد عنه فيها حكاية لأحواله، أمّا ما ورد من الأقوال في التزامها فأكثره لا يصلح حجّة في ثبوت الأحكام، ومنه ما رُوي عن عبد الله بن عمر مرفوعًا ” عليكم بالعمائم، فإنَّها سيما الملائكة وأرخوها خلف ظهوركم.

ومنه أيضا ما رواه الترمذي عن ركانة ” إنَّ فرقَ ما بيننا وبين المشركين العمائم على القلانِس”.

وما رواه ابن عدي عن علي ” ايتو المساجد حُسًّرًا ومعمَّمين، فإن العمائم تيجان المسلمين”.

وما رواه ابن عدي والبيهقي عن أسامة بن عمير” اعتمُّوا تزدادوا حلمًا والعمائم تيجان العرب”.

وما رواه ابن الطيالسي وابن أبي شيبة وأحمد بن منيع عن عليّ أن النبي ـ صلّى الله عليه وسلم ـ عمّمه يوم ” غدير خم “، وقال:” إن العمامة حاجِزة بين الكفر والإيمان “، وفي رواية ” حاجزة بين المسلمين والمشركين “، وذلك ضمن حديث ” إن الله أمدني يوم بدر وحنين بملائكة يعتمون بهذه العمة ، إن العمامة حاجزة بين الكفر والإيمان “.

وما رواه الطبراني عن أبي الدرداء: ” إنّ اللهَ وملائكتَه يُصلُّونَ عَلَى العمائم يوم الجمعة ” وكلها أحاديث ضعيفة.

لقد جعل ابن الحاج لبس العمامة من المباحات؛ لأن ذلك فعل للنبي صلى الله عليه وسلّم لم يَظهر فيه معنى القُربة، بل يظهر معنى العادة والطبيعة كالأكل والشرب واللباس، وفيه خلاف في التأسِّي به فيه.

وجاء في زاد المعاد: أن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان له عمامة تسمَّى السحاب، كساها عليًّا، وكان يلبسها ويلبس تحتها القلنسوة، وكان يلبس القلنسوة بغير عمامة، ويلبس العمامة بغير قلنسوة، وكان إذا اعتمَّ أرخى عمامته بين كتفيْه كما رواه مسلم في صحيحه عن عمرو بن حريث.

وليس للعمامة لون خاصّ، ففي زاد المعاد أن النبي ـ صلّى الله عليه وسلم ـ دخل مكة وعليه عمامة سوداء، وأنه لم يلبس السواد لباسًا راتبًا، ولا كان شعاره في الأعياد والجُمَع والمجامع العظام ألبتّة، وإنما اتفق له لبس العمامة السوداء يوم الفتح دون سائر الصحابة، ولم يكن سائر لباسه يومئذ السواد، بل كان لواؤه أبيض.

وقد اعتمّ العباسيون بالسواد حدادًا على داعيتهم إبراهيم الذي قتله مروان آخر ملوك بني أمية، وأول من لبسه منهم عبد الله بن علي بن عبد الله بن عباس كما ذكره السيوطي في أوائله…

والذؤابة، وهي طرف العمامة، إرخاؤها عادة لا تعبُّد، روى الترمذي أن النبي لما رأى ربه في المنام وسأله يا محمد: فيم اختصم الملأ الأعلى؟ فقال:” لا أدري ” فوضع يده بين كتفيه فعلم ما بين السماء والأرض .. فمن تلك الغدوة أرخى النبي صلى الله عليه وسلم الذؤابة بين كتفيه، قال النووي: إن إسبال طرف العمامة مُباح، ذكره في شرح المهذب، وما ورد من أمر النبي ـ صلّى الله عليه وسلم ـ لعبد الرحمن بن عوف بإرخائه عندما وجّهه لسريّة لا يعد تشريعًا عامًّا، وإسناده ليس بقويّ، فقد رواه أبو يعلي والبزار والطبراني. وقيل: إنه حسن ـ ولم يرد نهيٌّ عن العِمامة بغير ذؤابة.

جاء في زاد المعاد: روى مسلم عن عمرو بن حريث قال: رأيت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ على المنبر وعليه عمامة سوداء قد أرخى طَرفيها بين كتفيه، وفي مسلم أيضًا عن جابر بن عبد الله أن رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلم ـ دخل مكة وعليه عمامة سوداء، ولم يذكر في حديث جابر ” ذؤابة ” فدلَّ على أن الذؤابة لم يكن يُرخيها دائمًا بين كتفيه، وقد يقال: إنّه دخل مكّة وعليه أهبة القتال والمِغفر على رأسه، فلَبِسَ في كلِّ موطن ما يناسبه.

والعمامة النبويّة قماش كان يلفُّه على رأسه، وكان يثبتها بالتحنيك، أي لف طرفها تحت الحنك، وحمل توصية عمر بذلك على وقت الحرب لتثبيتها. ومن العجيب أن الكمال بن الهمام من أئمة الحنفيّة قال في ” المسايرة ” مَن استقبَح من آخر جَعْلَ العمامة تحت حلقِه كفرَ، ولم يرتض هذا المنصِفون من أهل العلم.
وهذا الكلام ملخص من كلام طويل في غذاء الألباب للسفاريني وأشار إليه ابن هشام في السيرة النبوية ونيل الأوطار للشوكاني” ج2ص111.

وفي بلوغ الأرب للآلوسي، قيل لأعرابي إنك تكثر لبس العمامة، قال: إن شيئًا فيه السمع والبصر لجدير أن يوقِي من القُرِّ ـ البرد ـ.

وقال فيها أبو الأسود الدؤلي: خيمة في الحر ومكنة من الحر، ومدفأة من القُرّ، ووقار في الندى، وواقية من الأحداث وزيادة في القامة، وهي من عادات العرب ” انظر: ابن حجر في “العمامة “.