يقول الله تعالى عن دعاء زكريا ربه: (فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا. يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آَلِ يَعْقُوبَ) (سورة مريم:5-6ٍ)، ويقول: (وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاودَ ) (سورة النمل:16)، ويقول ـ صلى الله عليه وسلم ـ: “إنَّا معشرَ الأنبياء لا نُورَث ما تركناه صدقة” رواه البخاري ومسلم “الجامع الكبير للسيوطي ص 1047″، ويقول: “إنَّ العلماء ورثةُ الأنبياء” رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة وابْن حبان وغيرهم.

تحدث القرطبي في تفسيره “ج11 ص 81” عن التَّوارُث بين الأنبياء، وذكر أن هناك ثلاثة آراء للعُلَماء في النصوص التي تُثْبت الوِرَاثة، هل هي وِرَاثَة نبوة، أو وراثة حِكْمة، أو وراثة مال؟ وبيَّن أن وراثة النُّبوة مُستحيلة، ولو كانت تُورَث لقال قائل: الناس ينتسبون إلى نوح ـ عليه السلام ـ وهو نبي مُرسل، يَعني يمكن لأي إنسان أن يقول أنا نبي، أو معي قسط من النبوة حتى الكفار، ووراثة العلم والحِكمة رأي حسن ولا مانع منه، ومثلها وراثة العلماء لعلم الأنبياء، ووراثة سليمان لداود هي من هذا القبيل، أما وراثة المال فهي غير ممنوعة، لكن كيف ذلك والحديث يمنع؟ وأجاب عن ذلك بأن وراثة زكريا ووراثة داود، لا مانع منها، وما جاء في الحديث فهو خاص بالنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وعبَّر بصيغة الجمع ويَقصد نفسه هو، فهذا التعبير سائغ، ويُمكن أن يُراد به أن ما تركْناه على سبيل الصدقة لا يورث كالتركة.

يؤخذ من هذا أن وراثة النبوة ممْنوعة، فهي هبة من الله يُعْطيها من يَصْطفيه من عباده، يقول ابن عطية: داود من بني إسرائيل وكان مَلِكًا، وورث سليمانُ مُلْكَه ومنزلته من النبوة بمعنى صار إليه ذلك بعد موت أبيه، فسمي ميراثًا تجوُّزًا، يعنى أن الله هو الذي أعطاه ذلك باصطفائه له، وليس إرْثًا حتميًّا من أبيه كما تُورَث الأموال. ومهما يكن من شيء فإن ذلك أمر لا يعنينا بعد أن ختمت النبوة بسيدنا محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وليس لأحد بعده – وبخاصة ممن ينتسبون إليه، أن يدعيها كميراث، وكان من حِكمة الله أنه لم يجعل لنبيِّه ولدًا يَعيش من بعده حتى لا يَدَّعي وراثة النبوة، وعلينا أن نهتم بميراثه الذي تركه لنا وهو العلم، الذي نبَّه أحد الصحابة إليه، حيث قال لهم: أنتم هنا وميراث الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ يُقسم في المسجد، فلما ذهبوا لم يجدوا إلا حلقة العلم فعرفوا أنها المقصود بالميراث.

وهو شرف كبير أن يكون العلماء هم ورثة الهدْي النبوي الذي أوصى بالتمسك به كما جاء في الحديث: “تركت فيكم ما إن تمسكتم به فلن تضلوا بعدي أبدًا، كتاب الله وسُنتي” رواه الحاكم وصححه.