اللجوء إلى البشعة لإثبات الحقوق أو نهي الاتهام عن المتهم لا يجوز شرعا .

والبشعة طريقة يستخدمها البدو وغيرهم في معرفة الصدق من الكذب في عدد من القضايا ، كمعرفة السارق ، وإثبات النسب وغيرها، وهي تحل محل الشهود، ويعد المبشع قائما مقام القاضي،  والبشعة تأخذ ثلاثة أشكال:

الطريقة الأولى : الاختبار بالنار
فيحمي المبشع إناء نحاسيا على جمرات الفحم حتى تصل لدرجة الإحماء، ويريها الشاهدين، ثم يجعل المتهم يلحسها بلسانه ثلاثا، فإن ظهر على لسان المتهم شيء ، حكم المبشع بالدعوى لخصمه ، وإلا حكم له.

ومرد ذلك عندهم أن المتهم إن كان مذنبا جف ريقه من الخوف وأثرت النار فيه ، وإلا فالعكس.

الطريقة الثانية : الاختبار بالماء

حيث يحضر المبشع إناء فيه ماء، حيث يجلس الشهود والمتهم، ويقوم بالتعزيم عليه، فإن تحرك الإناء فقد ثبتت التهمة على المتهم، وإلا حكم له بالبراءة.

الطريقة الثالثة : الاختبار بالحلم، وهي أن يحلم المبشع بالمتهم ، وبناء على الحلم يحكم عليه اتهاما أو براءة .

ومثل هذه الطرق الثلاثة لا تجوز شرعا ، لما يلي:

1- أن هناك وسائل إثبات حددها الشرع في القضاء، يجب أن نصير إليها عند التحاكم، وهي: الإقرار ، والبينة ، والشهود، فإما أن يقر الإنسان بتهمته ، أو تكون هناك بينة ، أو يقوم الشهود بالشهادة على أنهم رأوا المتهم يسرق أو يفعل ما اتهم فيه ،  وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم : “البينة على من ادعى ، واليمين على من أنكر. أخرجه البيهقي والدراقطني.

2- أن البشعة ضرب من الشعوذة والسحر، وهي إحدى موروثات البيئة العربية في الجاهلية ، فقيام المبشع بالتعزيم على الإناء لا يكون إلا من خلال الاتصال بالجن ، وهو محرم بلا خلاف.

3- أن ما يقوم به المبشع من تسخين إناء وادعاء أن المتهم إن لحسه بلسانه ولم يضره دليل على براءته أمر غير منضبط، لا يمكن التعويل عليه شرعا، فإن عدم الخوف، أو غيره وإسالة لعابه، قد يكون عند البعض ولا يكون عند الآخرين، فمن طبائع بعض البشر أنه يخاف بمجرد اتهامه، فينتفي التثبت من صحة ما يدعى في طريقة تسخين الإناء ، وقد عاب الله تعالى على من يحكم بالظن، كما في قوله تعالى :”وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا” النجم :28

4- أن الأحلام والرؤى لا ينبني عليها أحكام في الدنيا، وعلى هذا اتفقت كلمة الفقهاء، فلا يجوز في القضاء أن يلجأ إلى حلم شيطاني يوسوس فيه للإنسان، أو يغلب على ظنه شيء، فيكون حديث نفس، فيحكم المبشع على المتهم زورا وبهتانا.

5- أن القيام بطريقة البشعة فيها إضرار على الشرع من أكثر من ناحية ، فمن ناحية فيها إبطال لقواعد الشرع في إثبات الجرائم، ومن ناحية أخرى فيه إضرار على العقيدة، حيث إن كثيرا من الناس لا يخاف أن يحلف بالله كذبا، ولكن يعظم في قلبه أن يكذب أمام البشعة خشية الفضيحة مما يشاع عنها ، ففي مثل هذا تقليل لله في قلوب خلقه، فيخدش التوحيد ، وينافي مقتضاه ، كما قال تعالى :(وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) أي إلا ليوحدون، أو إلا ليقروا لي بالعبودية طوعاً أو كرهاً، وفعل البشعة وتعظيمها في القلب ينافي هذا.

6- أن قبول المتهم بعمل ” البشعة” في حالة وجود النار فيه إهلاك للنفس وتعريضها للتعذيب، وهو منهي عنه شرعا، فكما جاء النهي عن إيذاء المسلم غيره ، فلا يجوز أن يؤذي الإنسان نفسه، لأن جسده أمانة عند الله تعالى ، واعتداء الإنسان على جسده محرم ، سواء أكان بالقتل أم بغيره ، كما قال تعالى :( وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا) النساء:29، ويقاس عليه كل إيذاء للنفس .

وعليه: فلا يجوز شرعا اللجوء إلى ” البشعة ” ولا اعتبارها في التقاضي، ويأثم فاعلها والمشترك فيها، والراضي عنها، لمخالفتها قواعد الشرع في التقاضي، وأثرها الفاسد على العقيدة .