الغيبة تعريفها وحكمها وأقوال العلماء فيها: 

الغيبة هي الكلام عن الغير في غير وجوده بما يكره وهي أمر محرم مرذول ، والتوبة من ذلك تكون بكثرة الاستغفار للمغتاب ، وذكر محاسنه، والإكثار من ذلك كما سبق ذكر معيبه، والاستغفار له.

وهذا كله بعد العزم على كف اللسان في حق الآخرين ، والندم على ما كان ، والأفضل تبرئة للذمة طلب التحلل والمسامحة ممن وقعت الغيبة في حقه.
ومن  المفيد في ترك الغيبة ما نقل عن بعض الصالحين أنه قال: “كنت أحاول الإقلاع عن الغيبة، ولكن ربما وقعت فيها ، فجعلت على نفسي نذرا أنني إذا اغتبت أحدا صمت يوما عقابا لنفسي حتى ترتدع، فما ارتدعت، فجعلت على نفسي نذرا أن أتصدق بدرهمين عن كل غيبة أقع فيها فارتدعت”.

يقول فضيلة الشيخ محمد الحمود النجدي-حفظه الله تعالى- مبينا كفارة الغيبة: –
هل يجب على المغتاب أن يخبر من اغتابه بأنه اغتابه ويطلب منه أن يسامحه؟
الراجح – والله أعلم – أنه لا يعلمه بأنه قد اغتابه إذا لم يكن يعلم ، بل يكفيه أن يستغفر من ذنبه ، وأن يستغفر لأخيه في مقابل ما حصل منه من غيبته له وإيذاء له .

وهذه أقوال العلماء في ذلك :
قال النووي رحمه الله في كتابه ( الأذكار 2/845 باب كفارة الغيبة والتوبة منها ) :
اعلم أن كل من ارتكب معصية لزمه المبادرة إلى التوبة منها ، والتوبة من حقوق الله تعالى يشترط فيها ثلاثة أشياء :
1 -أن يقلع عن المعصية في الحال .
2 -وأن يندم على فعلها .
3 -وأن يعزم ألا يعود إليها .
والتوبة من حقوق الآدميين يشترط فيها هذه الثلاثة ورابع، وهو: رد المظلمة إلى صاحبها ، أو طلب عفوه عنها ، والإبراء منها .
فيجب على المغتاب التوبة بهذه الأمور الأربعة؛ لأن الغيبة حق آدمي ، ولابد من استحلال من اغتابه .

وهل يكفيه أن يقول : قد اغتبتك فاجعلني في حلٍّ ، أم لابد أن يبين ما اغتابه فيه ؟
فيه وجهان لأصحاب الشافعي رحمهم الله:
أحدهما : يشترط بيانه ، فإن أبرأه من غير بيانه، لم يصح كما لو أبرأه عن مال مجهول.
والثاني : لا يشترط ، ليس هذا مما يتسامح فيه، فلا يشترط علمه، بخلاف المال.
والأول أظهر ؛ لأن الإنسان قد يسمح بالعفو عن غيبة دون غيبة .
فإن كان صاحب الغيبة ميتاً أو غائباً، فقد تعذر تحصيل البراءة منها، لكن قال العلماء : ينبغي أن يكثر الاستغفار له ، والدعاء ، ويكثر من الحسنات.
واعلم أنه يستحب لصاحب الغيبة أن يبرئه منها ، ولا يجب عليه ذلك لأنه تبرع وإسقاط حق ، فكان إلى خيرته ، ولكن يستحب له استحباباً متأكد الإبراء، ليخلص أخاه المسلم من وبال المعصية، ويفوز هو بعظيم ثواب الله تعالى ومحبة الله سبحانه وتعالى. انتهى وهو قول الشافعي.

وقال ابن مفلح في الآداب الشرعية ( 1/92 ): وقيل: إن علِم به المظلوم وإلا دعا له واستغفر ولم يعلمه ، وذكر الشيخ تقي الدين أنه قول الأكثرين.
وذكر غير واحد: إن تاب من قذف إنسانا أو غيبة قبل علمه به هل يشترط لتوبته إعلامه والتحلل منه؟ على روايتين .
واختار القاضي أنه لا يلزمه؛ لما روى أبو محمد الخلال بإسناده عن أنس مرفوعاً : (من اغتاب رجلاً ثم استغفر له من بعد، غفر له غيبته). وبإسناده عن أنس مرفوعاً : ( كفارة من اغتيب أن تستغفر له ) والحديثان لا يصحان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولأن في إعلامه إدخال غمًٌ عليه . قال القاضي : فلم يجز ذلك.
وقال ابن عبد البر في كتاب ( بهجة المجالس ) : قال حذيفة رضي الله عنه : كفارة من اغتبته أن تستغفر له .
وقال عبد الله بن المبارك لسفيان بين عيينة : التوبة من الغيبة أن تستغفر لمن اغتبته ، فقال سفيان : بل تستغفر مما قلت فيه ، فقال ابن المبارك : لا تؤذوه مرتين . ومثل قول ابن المبارك اختاره الشيخ تقي الدين بن الصلاح الشافعي في ( فتاويه ) .
وقال الشيخ تقي الدين بعد أن ذكر الروايتين في المسألة المذكورة قال : فكل مظلمة في العِرض من اغتياب صادق ، وبهت كاذب فهو في معنى القذف ، إذ القذف قد يكون صادقاً فيكون في المغيب غيبة ، وقد يكون كذباً فيكون بهتاً .
واختار أصحابنا أنه لا يعلمه بل يدعو له دعاء يكون إحساناً إليه في مقابل مظلمته كما روي في الأثر .. انتهى
ولا يخفى قوة ما اختاره الشيخ تقي الدين رحمه الله لما في إعلامه من إيذائه مرتين ، ومن خوف حدوث خصام أو نفرة أو تقاطع أو تهاجر بينهما .أهـ

وعلى هذا فالراجح هو الإكثار من الاستغفار تكفيراً عن الغيبة. انتهى.

وأما عن الأسباب التي تمنع من الوقوع في الغيبة ، فالواجب على المسلم أن يعرفها حتى يحذرها.

و الأسباب الباعثة على الغيبة كثيرة ، ولكن يجمعها أحد عشر سبباً: ثمانية منها توجد في حق العامة، وثلاثة تختص بأهل الدين والخاصة.
أما الثمانية التي توجد في حق العامة:

الأول: أن يغتاب الإنسان غيره ليشفي صدره منه، ويشوه سمعته أمام الناس.

الثاني: موافقة الأصحاب ، ومجاملة الرفقاء ، ومساعدتهم على الكلام.

الثالث: أن يستشعر من إنسان أنه سيقصده ويطّول لسانه عليه أو يقبح حاله عند محتشم، أو يشهد عليه بشهادة فيبادره قبل أن يقبّح هو حاله ويطعن فيه ليسقط أثر شهادته، أو يبتدئ بذكر ما فيه صادقاً ليكذب عليه بعده فيروّج كذبه بالصدق الأول ويستشهد ويقول: ما من عادتي الكذب، فإني أخبرتكم بكذا وكذا من أحواله فكان كما قلت.

الرابع: أن ينسب إلى شيء فيريد أن يتبرأ منه فيذكر الذي فعله، وكان من حقه أن يبرئ نفسه ولا يذكر الذي فعل فلا ينسب غيره إليه، أو يذكر غيره بأنه كان مشاركاً له في الفعل ليمهد بذلك عذر نفسه في فعله.

الخامس: إرادة التصنع والمباهاة، وهو أن يرفع نفسه بتنقيص غيره فيقول فلان جاهل وفهمه ركيك وكلامه ضعيف.

السادس: الحسد وهو أنه ربما يحسد من يثني الناس عليه ويحبونه ويكرمونه، فيريد زوال تلك النعمة عنه فلا يجد سبيلاً إليه إلا بالقدح فيه، فيريد أن يسقط ماء وجهه عند الناس حتى يكفوا عن كرامته والثناء عليه لأنه يثقل عليه أن يسمع كلام الناس وثناءهم عليه وإكرامهم له، وهذا هو عين الحسد.

السابع: اللعب والهزل ، وتقضية الوقت ، وتمضية الوقت بالضحك، فيذكر عيوب غيره بما يضحك الناس على سبيل المحاكاة ومنشؤه التكبر والعجب.

الثامن: السخرية والاستهزاء استحقاراً له ، فإن ذلك قد يجري في الحضور ويجري أيضاً في الغيبة ومنشؤه التكبر واستصغار المستهزأ به.

وأما الأسباب الثلاثة التي هي في الخاصة فهي أغمضها وأدقها، لأنها شرور خبأها الشيطان في معرض الخيرات وفيها خير ولكن شاب الشيطان بها الشر.

الأول: أن تنبعث من الدين داعية التعجب في إنكار المنكر والخطأ في الدين، فيقول ما أعجب ما رأيت من فلان! فإنه قد يكون به صادقاً ويكون تعجبه من المنكر، ولكن كان حقه أن يتعجب ولا يذكر اسمه فيسهل الشيطان عليه ذكر اسمه في إظهار تعجبه، فصار به مغتاباً وآثماً من حيث لا يدري.

الثاني: الرحمة وهو أن يغتم بسبب ما يبتلى به فيقول: مسكين فلان قد غمني أمره وما ابتلي به، فيكون صادقاً في دعوى الاغتمام ويلهيه الغمّ عن الحذر من ذكر اسمه فيذكره فيصير به مغتاباً فيكون غمه ورحمته خيراً، وكذا تعجبه ولكن ساقه الشيطان إلى شر من حيث لا يدري، والترحم والاغتمام ممكن دون ذكر اسمه فيهيجه الشيطان على ذكر اسمه ليبطل به ثواب اغتمامه وترحمه.

الثالث:الغضب لله تعالى فإنه قد يغضب على منكر قارفه إنسان إذا رآه ، أو سمعه فيظهر غضبه ويذكر اسمه، وكان الواجب أن يظهر غضبه عليه بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولا يظهره على غيره،أو يستر اسمه ولا يذكره بالسوء، فهذه الثلاثة مما يصعب إدراكها على العلماء فضلاً عن العوام، فإنهم يظنون أن التعجب والرحمة والغضب إذا كان لله تعالى، كان عذراً في ذكر الاسم وهو خطأ. انتهى.

جاء في كتاب إحياء علوم الدين :-

والتصديق بالغيبة غيبة ،بل الساكت شريكا لمغتاب ، وقد روي عن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما أن أحدهما قال لصاحبه إن فلانا لنئوم ثم إنهما طلبا أدما ( أي طعاما )من رسول الله صلى الله عليه وسلم ليأكلا به الخبز فقال صلى الله عليه وسلم قد ائتدمتما فقالا ما نعلمه قال بلى إنكما أكلتما من لحم أخيكما “

فانظر كيف جمعهما وكان القائل أحدهما والآخر مستمعا، وقال للرجلين اللذين قال أحدهما أقعص الرجل كما يقعص الكلب انهشا من هذه الجيفة ، فجمع بينهما فالمستمع لا يخرج من إثم الغيبة إلا أن ينكر بلسانه أو بقلبه إن خاف، وإن قدر على القيام أو قطع الكلام بكلام آخر فلم يفعل لزمه، وإن قال بلسانه اسكت وهو مشته لذلك بقلبه فذلك نفاق ولا يخرجه من الإثم ما لم يكرهه بقلبه.

ولا يكفي في ذلك أن يشير باليد أي اسكت أو يشير بحاجبه وجبينه فإن ذلك استحقار للمذكور، بل ينبغي أن يعظم ذلك فيذب عنه صريحا، وقال صلى الله عليه وسلم: “من أذل عنده مؤمن فلم ينصره وهو يقدر على نصره أذله الله يوم القيامة على رؤوس الخلائق.

النميمية تعريفها وحكمها وآثارها ومظاهرها:

يقول الشيخ عطية صقر مبينا معنى النميمة وحكمها:- الكلام عن النميمة يتناول عدة أمور هي:
1- تعريفها: هي نقل الكلام بين طرفين لغرض الإفساد، يقول الغزالي: ” الإحياء ج3 ص 135″: تُطْلَق النَّميمة في الأكْثر على مَن يَنُمُّ قولَ الغير إلى المقول فيه، كما تقول: فلان كان يتكَلَّم فيك بكذا وكذا.
وتعْرف النميمة أيضًا بكشف ما يُكره سواء كَرِهَه المنقول عنه أو المنقول إليه أو كرهه طَرَفٌ ثالث وسواءٌ كَان الكَشْف بالقول أو الكتابة أو الرَّمز والإيماء، فالنميمة إفشاء السر وكشف الستر عمَّا يُكْره كشْفُه.
وجاء في الحديث أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ مرَّ على قبْرين يُعذَّبان فوضع عليهما جريدة وقال إنَّهما يُعذَّبان وما يُعذَّبان في كبير، أمَّا أحدُهما فكان لا يَسْتبْرئ من بَوْله، وأما الآخر فكان يَمْشى بالنميمة بين الناس.

قول ابن القيم: أول ما يُحاسب عليه العبْد الصَّلاة والدِّماء، فمَن ترك الاستبراء الذي هو مقدمة الصلاة، ومن نَمَّ والنميمة أصل العداوة المُريقة للدِّماء، فحظُّهما العذاب الشديد” غذاء الألباب ج1 ص 91″، ويقول الشاعر:
لِي حِيلَةٌ فِيمَنْ يَنُمُّ وَلَيْسَ لِلْكَذَّابِ حِيلَةٌ مَنْ كَانَ يَخْلق مَا يَقُولُ فَحِيلَتِي فِيهِ قَلِيلَةٌ.

2- مَظاهرها: تكون النَّميمة بين الحَبِيبَيْن وبين الزَّوْجين، وبين الأُسْرتين، وبين الدَّولتين، وبين الرَّئيس والمرءوسين.

3- آثارها: التَّفرقة بين الناس، قلق القلب، عارٌ للناقل والسامع، حاملة على التجسُّس لمعرفة أخبار الناس، حاملة على القتل، وعلى قَطْع أرْزَاق النَّاس، جاء في الحديث: ” لا يُبْلغُني أحد منكم عن أصحابي شيئًا، فأنا أُحِبُّ أنْ أخْرج إليهم وأنا سليمُ الصَّدْر”.

4- صفات النَّمَّام: النمَّام ذليلٌ، جاء في إحياء عُلوم الدين ” ج3 ص 35″ أن رجلًا سأل حكيمًا عن السَّماء وما أثْقل منها؟ فقال: البُهتان على البريء، وعن الأرض وما أوسع منها؟ فقال: الحق، وعن الصخر وما أقسى منه؟ فقال: قلب الكافر. وعن النار وأحرَّ منها؟ فقال: الحسد، وعن الزَّمْهرير وما أبرد منه؟ فقال: الحاجة إلى القريب إذا لم تنْجَح. وعن البَحْر وما أغْنى منه؟ فقال: القلب القانع، وعن اليتيم وما أذلّ منه؟ فقال: النمَّام إذا بان أمره، النمام كذاب، غشاش، مغتاب، خائن للسر، غادر للعهد، غالٍ حسود، منافق، مُفسد يُحب الشر للناس، الصدق لا يذم من أحد إلا من النمام، ذو وجهين، متجسِّسٌ، فاسِق.

5- أسْبابها والغرَض منها: إرادة السوء للمحْكي عنه، وحب المحكي إليه والتزلف إليه، والتسلية والفُضول.

6- عقابها: جاء في الحديث: ” لا يَدْخُلُ الجَنَّةَ نَمَّامٌ” رواه البخاري ومسلم، عذابه في القبر كما مرَّ في الحديث، حبْسه في جهنم حتى يأتي بالدليل على ما قالَه، وقد مرَّ في موضوع الغِيبة، هو ذو وجهين من أشدِّ الناس عَذابًا يوم القيامة كما في البُخاري، وقال تعالى: ( يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ)(سورة النساء:108)، وفي حديث أحمد: ” شِرَارُ عباد الله المشَّاءون بالنَّميمة المُفرِّقون بين الأحبَّة البَاغون للبرآء العَيْب”، وفي حديث أبي داود: ” مَن كان له وجْهان في الدُّنْيا كان له لسانان من نار يوم القيامة” النميمة تَحْلِقُ الدين؛ لأنها تفسد ذات البَيْن، كما في حديث أبي داود والتِّرمذي وصحَّحه، وجَاء في حديث الطبراني أنه قيل لعبد الله بن عمر: إنَّا ندْخل على أُمَرَائنا فنقول القَوْل، فإذا خرجْنا قُلْنا غيره، فَقَال: كُنَّا نعد ذلك نِفاقًا على عهْد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ .

ليْسَ لَهُ قِيمَةٌ أَدَبْيَّة كما قال الله في الوليد أو غيره (وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ . هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ) (سورة القلم:10،11) النَّمَّامُ شُؤْمٌ لَا تَنْزِلُ الرَّحمة على قوم هو فيهم، فقد جاء في الإحياء “ج3 ص 35” عن كعب الأحبار أن بني إسرائيل أُصيبوا بقحْط، فاستَسقى موسى ـ عليه السلام ـ مرات، فما سقاهم الله، فأوْحى إليه أن السبَب هو وجود نمَّام معَكم، فقال موسى: ومن هو يا رب حتى أخرجه؟ فقال: يا موسى أنهاكم عن النميمة وأكون نمَّامًا. واللَّهُ أعْلم بصحة هذا الخبر.

7- علاج النَّميمة: يكون بتوعية النمَّام بخُطورة النميمة، بمثل ما سبق من الآيات والأحاديث والحكم، والتنفير منها بأنها صِفَة امرأة لوط، التي كانت تَدُل الفاسقين على الفجور، فعذَّبها الله كما عذَّبهم، وأنها صفة العُتاة من المشركين كالوليد بن المغيرة الذي نهى الله نبيَّه عن طاعته، إلى غير ذلك من المنفِّرات لهذا المنكر، وحثِّه على التَّوْبة منْها قبل أن يُقضى عليه.
وكذلك يكون عِلاجُها من جِهَة السَّامع للنَّميمة، بِبَيان أنَّه أُذُنٌ لا شخْصية له، يَقَع فَريسةً لكلِّ كلام يُنقل إليه، وبيان أنه عدو للناس بسبب كلمة يسمعها، فيوقع عليهم الشر، أو يمنعهم الخير، وإظهار أنه كما يُنَمُّ له يُنَمُّ عَليه، فالذي نَقَل إليه الكلام سَيَنْقُل عنه الكلام، وأنه يَحْمل وِزْرًا مع النمام لأنه يشجعه على ذلك.

واجب السامع عدمُ تصْديق النَّميمة؛ لأنَّ النمَّام فاسق والفاسق مردود الشهادة، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) (سورة الحجرات:6) كذلك يجب عليه أنْ يَنْصَحَهُ قِيامًا بالأمر بالمعروف والنهْي عن المنكر، وأن يَبْعضه لوجه الله؛ لأنه مبغوض من الله والناس، وألا يَظن سوءًا بمَن نَقل عنه الكلام، فالله يقول: (يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ) ( سورة الحجرات :12)ألا يحمله الكلام المنقول إليه على التجسُّس والبحْث فاللَّهُ قدْ نَهَى عن التَّجَسس، وألا يَحْكي هذه النميمة حتى لا يكون نمَّامًا.
ورَوى عن عمر بن عبد العزيز أنه دخل عليه رجل ذكر له شيئًا عنْ رجل آخر، فقال له عمر: إن شئتَ نظرْنا في أمْرك فإنْ كُنت كاذبًا فأنت من أهل هذه الآية: (إنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا )، وإنْ كُنت صادقًا فأنْت من أهل هذه الآية (هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ)، وإن شئت عفوْنا عنك، فقال العفْو يا أمير المؤمنين ولا أعود لذلك أبدًا.
وقال رجل لعبد الله بن عامر، وكان أميرًا، بَلَغَنِي أن فلانا أعْلمَ الأمير أنِّي ذكَرته بسوء، قال: قدْ كان ذلك، قال: فأخبرني بما قال لك حتى أُظْهر كذبَه عندك، قال: ما أُحِب أن أَشْتُم نفسي بلساني، وحسبي لأني لم أصدِّقه فيما قال، وقال مصعب بن الزبير: نحن نرى أن قبول السِّعاية شرٌّ من السِّعاية؛ لأنَّ السِّعاية دِلالة، والقبول إجازة، وليس من دلَّ على شيء فأخبر به كمَن قَبِلَه وأجَازَه، فاتَّقوا السَّاعِيَ، فَلَوْ كَانَ صادِقًا فِي قوْله لكَان لَئِيمًا في صِدْقِهِ، حَيْث لمْ يَحْفَظ الحُرْمَةَ ولم يستر العورة.

والسِّعاية هي النَّمِيمة، إلَّا أَنَّها إذا كانت إلى مَن يَخاف جانِبَه سُمِّيَت سِعايَة، دخل رجل على سليمان بن عبد الملك الأمير الأُموي، فقال له: إنِّي مُكَلِّمك كلامًا فاحْتَمِلْه وإنْ كَرِهْتَه، فَإِنَّ وراءَه ما تُحب إنْ قَبِلته، فأَذِن له في الكلام فقال: إنَّه قد أحاط بك رجال ابتاعوا دُنْيَاك بدينهم، ورضاك بسخط ربهم، خافوك في الله، ولم يخافوا الله فيك، فلا تأمنْهم على ما ائْتمنَك الله عليه، ولا تُصْغِ إليْهم فيما استحفظك الله إياه… أعْلى قُرَبِهِمْ البغي والنميمة، وأجَلُّ وسائلِهِمُ الغِيبة والوَقِعية، وأنْت مُسْئُول عمَّا أجْرموا، وليْسوا مَسْئُولين عمَّا أجْرمْت، فَلا تُصْلِح دنياهم بفساد آخرتك، فإن أعظم الناس غَبْنًا مَن باع أخرته بدنيا غيره.
ورفع بعضُ النمَّامين إلى الصاحب بن عباد رقعة نبَّه فيها على مال يتيم، ويحمله على أخذه لكثرته، فكتب على ظهر الرُّقْعة: السِّعاية قَبِيحة وإن كانت صحيحة، ابتعد عن العَيب فالله أعلم بالغيب، الميت رحمه الله، واليتيم جبره الله، والمال ثَمَرة الله، والسَّاعي لَعَنَهُ الله، وللمَزيد يُمكن الرُّجوع إلى إحياء عُلوم الدِّين الجُزْء الثالث.انتهى.